هل السعودي مجرد رقم؟

11/04/2016 11
علي محمد طوهري

اقف متأملا لبعض التعليقات التي تزخر بها وسائل التواصل الاجتماعي التي عادة ما تنتشر بين الناس إما بسبب شهرة مطلقي تلك التعليقات أو بسبب ما تحمله تلك التعليقات من "نكتة" يتناقلها البعض من باب التسلية.

إحدى تلك التعليقات انتشرت بعيد إقرار سعودة محلات بيع وصيانة أجهزة الاتصالات. يقول صاحبها: "... دائما السعودي بديل البنغاليين.

الظاهر مافيه أمل نصير بدل اللبنانيين!!" وبما أني نقلت التعليق كما هو فالبتالي أجد من اللازم توضيح بعض النقاط المهمة.

أولا ليس الموضوع تقليل من قيمة أحد وإنما يتبادر للذهن أن العامل الاسيوي عادة ما يرتبط بمهن شاقة تتطلب العمل لساعات طويلة وبأجر زهيد نسبيا مقارنة ببقية المهن بينما وظيفة "اللبناني" فعادة تتسم "بالبرستيج" التي يتقاضى صاحبها أجرا مرتفعا.

ثانيا: مقصدي من نقل تلك التغريدة هي محاول نقاشها و ايجاد إجابة مناسبة عن متى يكون السعودي بديلا مؤهلا للموظف مرتفع الأجر!

أولا على المستوى الفردي يجب أن نتأمل كيف أن اللبناني إبن ذلك البلد الصغير الذي لا يملك ثروة نفطية ولا يحظي حتى بالاستقرار السياسي و الأمني الذي يعتبر الاساس للتنمية الاقتصادية ولم يحظ أبناءة بنفس القدر من الدعم والرعاية من حكومة بلدة كما يحظى ابن الخليج تجد اللبناني أستطاع رغم تلك الظروف أن يكون ناجحا على المستوى المهني وقادرا على الحصول على دخل ممتاز نسبيا.

قد أجزم أن السر في الحرص على التعليم والاصرار على تطوير الذات.

اللبناني بشكل عام متعلم ومتحدث لبق و صاحب قدرة على بناء شبكة علاقات ممتازة وحريص على تطوير قدراته ومهاراته وقبل ذلك كله اللبناني إنسان طموح يتجاوز طموحة حدود وإمكانيات بلده الصغير.

السؤال هل ينقصنا من تلك الصفات شيئ. المبتعثين السعوديين انتشرو من شرق الارض الى غربها من نيوزلندا مرورا باستراليا وأوربا وحتى كندا وأمريكا. وإن تكلمنا على الرغبة في تطوير الذات واكتساب المهارات أجد جيلا جديدا مبدعا وطموحا.

نحتاج فقط أن تنتشر عدوى النجاح والرغبة في تطوير المهارات والقدرات بين الشباب وأن تفتح القنوات لتحويل أفكار الشباب وطموحاتهم الى مشاريع حقيقية تعود بالنفع على الشباب أنفسهم وعلى المجتمع بشكل عام.   

ثانيا على المستوى العام نجد أن اقتصادنا خلق الملايين من فرص عمل لوافدين من خارج المملكة وكم أتمنى لو كان هذه الملايين وفدت الينا من دول كوريا الجنوبية واليابان وأروبا وأمريكا الشمالية وبالطبع من لبنان عندها ستكون مهمة إحلال السعوديين محل الوافديين عملا سهلا.

لكن للاسف فمعظم انشطتنا الاقتصادية التي تخلق فرص العمل متعطشة للعرق الرخيص وتعتمد على الأيدي العاملة المستوردة من دول فقيرة.

عمالة تعمل كثيرا مقابل القليل وبالتالى فتوطين الوظائف واحلال السعودي محل الوافد مهمة صعبة.

من السهل إقناع شاب بالجد والاجتهاد ليكون بديلا لوافد يتقاضى ضعف ما يتقاضاه السعودي و من المجدي اقتصاديا أن تسعى المنشأة لتطوير المواطن ليكون بديلا مؤهلا يحل محل الوافد الأكثر كلفة، والعكس صعب التحقيق بمعنى أن المهمة تكون صعبة عندما تطلب من شاب أن يتدرب ويتعلم ليحل محل من هو أقل منه أجرا فضلا عن عدم رغبة المنشئات باستبدال عمالتها الرخيصة بأخرى أكثر كلفة حتى وان كانت من أبناء البلد.

قد يقول قائل إذا فلتفرض الدولة ضرائب ورسوم إضافية ترفع من كلفة العامل الأجنبي وبالتالي يصبح السعودي أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية مقارنة بالعمالة المستوردة. الحل قد يبدو منطقيا لكن لا يخلو من سلبيات وقد تطغى أحيانا سلبياته على إيجابياته اذا لم يتم تطبيق مثل التوجهات بحذر وانتقائية.

يكفي أن نعلم أن العلاقة بين مستوى الضرائب ونسب النمو علاقة عكسية اي اذا اردنا تحفيز الاقتصاد وزيادة نسب النمو وخلق فرص عمل أكثر فعلينا تخفيض الضرائب والرسوم لا زيادتها.   

إن مستوى الأجور في القطاع الحكومي يعتبر المعيار العام لقياس مستوى الأجور في أي بلد. وبما أننا دولة نفطية غنية وعدد السكان فيها منخفض نسبيا مقارنة ببقية الدول فمستوى الأجور بالوظائف الحكومية يعتبر مرتفع. وبما أن الوظيفة الحكومية أكثر أمانا واستقرارا من الوظيفة في القطاع الخاص فمن المنطقي أن يحصل موظف القطاع الخاص على أجر أعلى من وظيفة مماثلة في القطاع الحكومي بافتراض تساوي الخبرات والمؤهلات وعدد ساعات العمل.

فرق الاجر لصالح وظيفة القطاع الخاص يعتبر تعويضا منطقيا للأمان والاستقرار الوظيفي الذي تتميز به الوظيفة الحكومية.

إذا استوعبنا هذا المبدأ واقتنعنا به نستطيع تقسيم القطاعات الاقتصادية الى قسمين رئيسين: الأول قطاعات إقتصادية تخلق فرص عمل بمستوى أجور أعلى من مستوى الأجور في القطاع الحكومي مثل صناعة النفط والغاز وصناعة البتروكيماوت والاتصالات والقطاع المالي والمصرفي. القسم الثاني قطاعات إقتصادية تخلق فرص عمل بمستوى أجور أدني من مستوى الأجور في القطاع الحكومي وأوضح مثال عليها قطاع المقاولات والانشاءات. 

لنقارن بين مستوى الأجور بين قطاعي البتروكيماويات مثلا وقطاع الأعمال المدنية (مقاولات) قد لا نستغرب أن يكون أجر رجل الأمن بمجمع للبتروكيماويات مساويا إن لم يكن أكثر من أجر مهندس مدني حديث التخرج بشركة مقاولات بالتالي استبدال هذا المهندس الوافد بمواطن قد يكون صعبا من الناحية الاقتصادية هذا وإن حصل (أي قبل المهندس السعودي بالعمل بشركة أعمال مدنية) فالوظيفة تعتبر مؤقتة الى أن يحصل على فرصة وظيفية بمكان اخر أعلى أجرا وأكثر استقرارا والمحصلة خسارة إقتصادية لتلك المنشأة التي ستعاني من عدم استقرار هيكلها الوظيفي ومن عدم حصولها على عائد على استثمارها في تدريب شباب حديثي التخرج. 

إذا يكمن الحل في تنمية وتطوير ودعم النوع الأول من الأنشطة الاقتصادية إضافة الى الاستغناء عن بعض الأنشطة من النوع الثاني "غير الضرورية" التي لا تحقق أي ميزة تنافسية للاقتصاد السعودي ولا تخلق فرص عمل لأبنائه وربما لو تم رفع الدعم عنها وتشددت الدولة أكثر في برامج السعودة لفقدت جدواها الاقتصادية وأغلقت أبوابها. هنا أشدد على موضوع "غير الضرورية" إذ أن اعتماد استراتيجية موحدة للتعامل مع كافة القطاعات من النوع الثاني قد تؤثر سلبا على الاقتصاد.

يمكن مثلا استيراد بعض منتجات الصناعات التحويلية التي لا نملك فيها أي ميزة تنافسية بدلا من تصنيعها محليا لكن من غير المجدي الضغط أكثر على بعض الأنشطة الخدمية المساندة والتي لا يمكن استيرادها لأن ذلك سينعكس سلبا على النوع الأول من النشاطات الاقتصادية وبالتالي على الاقتصاد بشكل عام.

لنكن واقعيين بعض القطاعات الحيوية كالمقاولات لا تستهوي شبابنا، هذا القطاع بحاجة للعمالة الرخيصة ورفع كلفة العمالة سيؤدي الى ارتفاع أسعار كثير من الخدمات والتكاليف على المواطن البسيط وكذلك على خزينة الدولة.

كما أن هذا القطاع يتميز بالمرونة أي بمجرد انحسار الطلب وقلة المشاريع يقوم تلقائيا بخفض عدد عمالته والاستغناء عن عدد كبير منها. بالمقابل قطاع التجزئة على سبيل المثال يعتبر منجم ذهب خصوصا للشباب الطموح الذي يرغب بالعمل الحر، قد يكون من المجدي إقتصاديا السعي لإحلال المواطن ودعمة ليحل محل العمالة الوافدة.

 إن حلم تصنيع كل شيء وإحلال العمالة الوطنية في كل القطاعات حلم غير واقعي فمن الأجدى والأجدر أن نركز على أهدافنا الرئيسية التي تتمثل في رفع مستوى دخل الفرد وخفض نسب البطالة وبناء اقتصاد قوي تتنوع أنشطته بعيدا عن القطاعات "الطفيلية" التي تشكل عبئا على الدولة وتعتمد بشكل أساسي على برامج الدعم المكلفة.

العمود الفقري لأي اقتصاد حقيقي يعتمد على سواعد أبناءه ولا بأس إن استوردنا خبرات تنقصنا وتنتقل مع الوقت لأبناء البلد ولن يعيبنا إذا استوردنا عمالة رخيصة للعب أدوار هامشية بعيدا عن القطاعات المنتجة. نحتاج الى الاستغلال الأمثل لمواردنا المالية والطبيعية من خلال التركيز على تنمية الصناعات التي تتناسب مع ميزات (وعيوب) الفرد السعودي.

الدول الغنية التي يرتفع فيها دخل الفرد تركز على الاقتصاد المعرفي والصناعات ذات التركيز الرأسمالي (capital intensive) وتحاول الابتعاد عن القطاعات التي تستهلك عمالة أكثر ورأس مال أقل لأن ذلك سيؤدي بنهاية المطاف الى اختلالات هيكلية بالاقتصاد وخلق نسب بطالة "هيكلية" مرتفعة بين السكان الأصليين وحاجة ماسة لأيدي عاملة مستوردة رخيصة.

البطالة الهيكلية كما يعرفها علماء الاقتصاد هي حالة التي عدم التوافق بين فرص العمل المتاحة (من ناحية نوعية العمل ومستوى الأجر) وبين مؤهلات ورغبات ومستوى الأجر المطلوب للعمال المتعطلين الراغبين في العمل والباحثين عنه.   

 محور اخر مهم يتعلق بقضية توطين الوظائف هو كيف نقيس السعودة في القطاع الخاص؟ الجواب ببساطة بقسمة عدد السعوديين على إجمالي عدد العمالة بالمنشأة. ربما تكون هذه العملية الحسابية البسيطة أحد أسباب البطالة لأنها ببساطة تعتبر السعودي مجرد رقم لأن وجودة كعدمه وما ينفق عليه ربما قد يعتبر رسوما أو ضرائب إضافية تتحملها كثير من المؤسسات والشركات.

استمرارية الموظف السعودي لفترة طويلة لا يهم كثيرا من المنشئات في القطاع الخاص فهو لا يقوم بأدوار حيوية تتعلق بأنشطة المنشأة الرئيسية فضلا عن الرغبة في إسناد مناصب قيادية إليه.

قد يقول قائل إن أنظمة العمل قد حددت مهنا ومناصب لا يشغرها الا المواطنين وتقوم بجولات تفتيشية للتحقق من ذلك. الأكيد أن كثير من المنشئات لديها من الحيل والألاعيب ما يكفي لتلتف بها حول القوانين.

أقترح أن يضاف لمؤشر السعودة الرقمي مؤشر اخر وزني ليكون معيارا ومؤشرا على جودة برامج السعودة بمنشئات القطاع الخاص ومعيار استرشاداي يخدم صانع القرار في تحديد الأنشطة الاقتصادية التي يمكن من خلالها تحقيق نسب توطين حقيقية ومستدامة.

 لنأخذ مثالا نشرح من خلاله الفرق بين المؤشر الرقمي والمؤشر الوزني، لنفترض أن لدى شركة الفا 100 موظف 20 منهم سعوديين ولدى شركة بيتا 100 موظف 40 منهم سعوديين. نسبة السعودة لشركة ألفا 20% و40% لشركة بيتا وهذا ما نسميه السعودة الرقمية.

نأتي الان لحساب السعودة الوزنية أو السعودة الحقيقية التي تتطلب أن نأخذ في الحسبان عناصر أخرى لاتمام العملية الحسابية كالأجر السنوي ومدة العمل بالمنشأة. لنفترض من باب تبسيط العملية الحسابية أن راتب السعودي السنوي في شركة ألفا 200 الف ريال ويعمل بها منذ 10 سنوات بينما الراتب السنوي للوافد 100 الف ريال ويعمل بها منذ 5 سنوات.

بالمقابل يتقاضى السعودي بشركة بيتا 100 الف ريال سنويا ويعمل بها منذ سنتين و يتقاضى الوافد 80 الف ريال سنويا ويعمل بها منذ 15 عاما.

الان نبدأ بحساب السعودة الوزنية والتي هي عبارة عن نقاط السعوديين مقسومة على نقاط جميع العاملين بالمنشأة ويمكن حساب نقاط السعودي بضرب الأجر السنوي بعدد سنوات الخدمة (مليوني نقطة للسعودي بشركة الفا مقارنة بمائتي الف نقطة للسعودي بشركة بيتا) ونفس العملية تكرر لحساب نقاط الوافدين ( 500 الف نقطة للوافد بشركة الفا مقارنة بمليون ومائتي الف نقطة للوافد بشركة بيتا) بالمحصلة نسبة السعودة الوزنية بشركة الفا 50% (20% سعودة رقمية) ونسبة السعودة الوزنية بشركة بيتا 10% (40% سعودة رقمية).

هنا يظهر الفرق جليا بين الكم والكيف فشركة الفا توظف سعوديين اقل لكنها اكثر قدرة على الاحتفاظ بهم فترة أطول ومنحهم أجورا أعلى مقارنة بشركة بيتا. إضافة الى ذلك فشركة ألفا تدفع اجورا اعلى للموظف السعودي مقارنة بزميله الوافد وتحتفظ به فترة أطول.

 إن تحقيق نسب سعودة وزنية مرتفعة  يتطلب الاحتفاظ بالسعودي فترة أطول او الوافد فترة اقل واحلال السعوديين في المهن و الوظائف الأعلى أجرا وكل هذه العناصر منفردة او مجتمعة تحقق أهداف السعودة الحقيقة. يجب أن يتحول الموظف السعودي بمنشئات القطاع الخاص من مجرد رقم يكتمل به نصاب السعودة الى عنصر انتاج رئيسي.

كما يجب أن تتضمن دراسات الجدوى الاقتصادية للمشاريع الجديدة جزاءا هاما عن إمكانية خلق فرص عمل مستدامة للمواطنين وأن تكون برامج الدعم الحكومية مشروطة بقدرة المشاريع الجديدة على استيعاب أبناء البلد. إن مشكلة البطالة الهيكلية التي نعاني منها تحتاج حلولا جذرية طويلة الأجل حتى وإن لم تؤتي ثمارها على المدى القصير.

الحلول السريعة أشبه بالمسكنات لا تحل جذور المشكلة وقد عانينا عقودا من البطالة الهيكلية ولا بأس أن نصبر قليلا مقابل أن نقطف ثمار جهودنا بنهاية المطاف.