تجتمع ''أوبك'' غدا في فيينا للتحاور في شؤون أسواق النفط العالمية واتخاذ قرار بشأن سقف الإنتاج، خاصة بعد بقاء الأسعار فوق 100 دولار للبرميل لفترة طويلة من الزمن. وأمام ''أوبك'' خياران لا ثالث لهما: إبقاء سقف الإنتاج على حاله مع إعطاء الضوء الأخضر للدول التي تريد أن ترفع إنتاجها فوق حصصها الحالية أن ترفع الإنتاج، أو إصدار قرار رسمي برفع سقف الإنتاج. وترجح أغلبية المحللين والخبراء القرار الثاني، وذلك لأن الأسواق بحاجة لإمدادات إضافية، خاصة أن جزءا من النفط الليبي لا يتوقع له العودة إلى الأسواق قبل نهاية العام على أقل تقدير، وأن الجزء الآخر لن يعود قبل عامين على الأقل من الآن بسبب الدمار الذي لحق بالمنشآت النفطية الليبية. والأمر نفسه ينطبق على اليمن.
مهما كان القرار فإن زيادة الإنتاج، حتى لو كانت بكميات كبيرة، لن يؤثر في أسواق النفط العالمية، ولن تنخفض أسعار النفط بشكل ملحوظ خلال أشهر الصيف، بل قد ترتفع، وذلك للأسباب التالية:
1 - الزيادة في الصادرات أقل من الإنتاج: أغلب الزيادة في الإنتاج ستُحرقُ في محطات شركات الكهرباء والمولدات الخاصة في الدول النفطية خلال أشهر الصيف. هذا يعني أن الأسواق العالمية لن تحصل إلا على جزء ضئيل، إن وجد، من الزيادة في الإنتاج. والواقع أن الذي يحكم أسعار النفط في الأسواق العالمية هو الصادرات النفطية، وليس الإنتاج. حتى هذه الزيادة الضئيلة في الصادرات سيتم إحراقها في المولدات الكهربائية الخاصة في الصين، وذلك بسبب العجز الضخم في إمدادات الكهرباء في مناطق مختلفة من الصين.
2 - احتمال انخفاض الصادرات مع زيادة الإنتاج: رغم زيادة الإنتاج، إلا أن الصادرات النفطية قد تنخفض، وقد ترتفع أسعار النفط رغم الزيادة في الإنتاج، وذلك في حالة تفاقم أزمة شح الكهرباء في الدول النفطية. وقد تشهد بعض دول الخليج أسوأ عجز في إمدادات الكهرباء في تاريخها في هذا الصيف وذلك بسبب عدم مواكبة المعروض مع الطلب، وبسبب بقاء آلاف العائلات في دول الخليج أثناء أشهر الصيف بسبب المشكلات السياسية في الدول العربية الأخرى من جهة، وانخفاض الدولار، وبالتالي الريال، مقارنة بعملات بعض الدول التي أصبحت هدفا سياحيا للخليجيين.
3 - عدم القدرة على التعويض عن النفوط الليبية واليمنية والسودانية: بعد خسارة أغلبية الصادرات النفطية في كل من اليمن والسودان، فإنه من الصعب جداً على دول أوبك زيادة الإنتاج بشكل يعوض عن النفط الليبي واليمني في الوقت نفسه، ليس بسبب الكمية فقط، وإنما بسبب النوعية أيضا.
4 - رفع سقف الإنتاج سيغطي جزءا من الزيادات السابقة: رفع سقف الإنتاج سيجعل الزيادات السابقة قانونية، ولكن لا يعني بالضرورة زيادة الإنتاج بالكمية التي يحددها القرار. فهناك عديد من الدول التي تنتج بكامل طاقتها الإنتاجية بغض النظر عن حصصها الإنتاجية.
5 - الزيادة مرتبطة بمستوى المخزون في الدول المستهلكة: تشير البيانات والتصريحات الصحافية منذ عام 2000 إلى أن قرارات تغيير سقف الإنتاج التي أعلنت عنها أوبك مبنية على مستويات المخزون في الدول المستهلكة. هذه السياسة ثبت فشلها وحرمت أوبك من السيطرة على أسعار النفط لسببين. السبب الأول أن ارتفاع المخزون في مدينة كوشينج في ولاية أوكلاهوما يعبر عن ارتفاع المخزون في منطقة من الولايات المتحدة، بينما تعتبره أوبك أنه زيادة في مخزون دول منظمة التعاون والتنمية كلها. المشكلة في النفط المخزن في كوشينج أنه ''محبوس'' ولا يمكن تسويقه عالميا لعدم وجود أنابيب نفط تنقله إلى الموانئ العالمية. لذلك فإنه يجب حذف الكمية التي لا يمكن تسويقها من المخزون للتعبير عن الوضع الحقيقي لأسواق النفط. ارتفاع المخزون وارتفاع أسعار النفط جعل بعض مسؤولي ''أوبك'' يقولون إن المضاربين رفعوا أسعار النفط، ولكن إذا حذفنا الكمية المحبوسة من المخزون نجد أن إنتاج أوبك، وفقا لسياستها التي تقوم على تغيير الإنتاج وفقا للمخزون في الدول المستهلكة، أقل مما تحتاج إليه الأسواق. باختصار، عدم حذف الكمية المحبوسة من المخزون يعني أن أي زيادة في إنتاج ''أوبك'' ستكون أقل مما تحتاج إليه السوق.
6 - عدم فهم أوبك للعلاقة بين المخزون وأسعار النفط: إن العلاقة العكسية بين مستوى المخزون وأسعار النفط توجد فقط في حالة الزيادة في طلب منظمة دول منظمة التعاون والتنمية على النفط، ولكنها لا توجد إذا انخفض الطلب أو بقي كما هو عليه. هذا يعني أن ''أوبك'' فهمت العلاقة بين المخزون والأسعار بشكل خاطئ عندما قالت إن مستوى المخزون ما زال مرتفعا، بينما استمرت الأسعار بالارتفاع. الأسعار ارتفعت لأن ''أوبك'' كانت تنظر إلى الجهة الخاطئة، وكان عليها أن تنظر إلى الجهة الصحيحة وهي الدول الآسيوية والدول النفطية. لهذا فإن أي زيادة في الإنتاج لن تكون كافية وقد تستمر الأسعار بالارتفاع نتيجة ذلك.
7 - اهتمام ''أوبك'' بكميات إنتاج دول خارج ''أوبك''، وليس بمصير صادرات هذه الدول: تستخدم ''أوبك'' نموذجا رياضيا يحدد لها كمية إنتاجها على أنه الفرق بين الطلب المتوقع والإنتاج المتوقع لدول خارج ''أوبك''. المشكلة أن ''أوبك'' ترى أن إنتاج كندا سيزيد، ولكن جزءا من هذا النفط يصدر إلى كوشينج في ولاية أوكلاهوما الأمريكية، حيث يحبس هناك، وينعدم تأثيره في أسواق النفط العالمية. الأصح هو أن تحذف هذه الصادرات من النموذج لإعطاء فكرة أفضل عن أسواق النفط العالمية. هذا يعني أن إنتاج ''أوبك'' سيكون أقل مما تحتاج إليه أسواق النفط العالمية.
إذا جمعنا العوامل السابقة كلها نجد أنه من الصعب أن يكون لقرار زيادة إنتاج ''أوبك'' أثر ملحوظ في أسواق النفط العالمية خلال شهور الصيف القادمة. وقد ترتفع أسعار النفط رغم قرار ''أوبك'' برفع الإنتاج، وسيتم لوم المضاربين مرة أخرى، وهكذا يكرر التاريخ نفسه. المشكلة أن هذا التكرار يدمر، وبشكل مستمر، الطلب على النفط، وسيأتي اليوم الذي تنهار فيه أسعار النفط في وقت يتضاعف في عدد السكان في دول ''أوبك''، ولم تقم هذه الدول بتنويع مصادر دخلها. إن تلافي هذا التكرار يتطلب زيادة الإنتاج بشكل كبير وتخفيض أسعار النفط إلى 80 دولارا أو أقل، في الوقت الذي يتم فيه تبني سياسات سريعة صارمة لتخفيض استهلاك الدول النفطية من الطاقة. لقد أصبح استهلاك الفرد من الطاقة في بعض الدول النفطية الأعلى في العالم، في الوقت الذي لا ينتج فيه هذا الفرد 1 في المائة مما ينتجه الإنسان في أوروبا أو أمريكا.
شكراً لك د. على موضوعك التحليلي الرائع .. رأيي أن البترول حتى لو نزل مؤقتاً فسيعود للارتفاع من جديد لكثرة الطلب وقلة المعروض .. فإن انخفض دولارين مثلاً فسيرتفع عشرة دولارات ..