الخصخصة .. فرصة تبحث عمّن يغتنمها

14/01/2016 1
صلاح الحمود

الخصخصة هي آلية يتم بموجبها نقل ملكية المؤسسات أو الأنشطة، من ملكية الحكومة أو الدولة إلى شركات القطاع الخاص ورجال الأعمال المستقلين.

المملكة تعتبر من دول الجيل الثالث في عالم الخصخصة، بمعنى إننا إذا قمنا بتقسيم مراحل انتشار الخصخصة منذ ظهروها وحتى اليوم، فسنجد إن اتجاه المملكة إلى هذا النمط الاقتصادي جاء بالمرحلة الثالثة، فبداية ظهور الخصخصة يعود إلى ما قبل القرن العشرين، وفي ذلك الوقت اقتصرت الخصخصة على الأنشطة الخدمية، وكذلك اقتصرت على الدول الكبرى أو المتقدمة، ومع مطلع القرن العشرين لحقت بعض الدول النامية بالموكب، وصارت هي الأخرى تخصخص أجزاء من ممتلكاتها، أو تعهد بإدارتها إلى مستمثرين القطاع الخاص.

أما بداية عهد الإقتصاد السعودي بأعمال خصخصة الأعمال، فقد كان في عام 1970م، وطوال الفترة الزمنية السابقة لذلك كان نسبة كبيرة من اقتصاد المملكة في قبضة الدولة، وقد جاء ظهور مصطلح الخصخصة للمرة الأولى على الساحة الاقتصادية السعودية، مصاحباً لظهور الأصوات المنادية بضرورة وضع خطط تنموية طموحة، للارتقاء بالاقتصاد السعودي ورفع مستويات الدخل وحسن إدارة واستغلال ثروات وموارد الدولة.

عند رصد تجربة الخصخصة في أي اقتصاد كان، فإن الفيصل في النهاية هو نجاح التجربة أو فشلها، لكن في الحقيقة موقف السعودية من الخصخصة غريب وفريد ومُحير، فخبراء الاقتصاد يرون إن القول بنجاح التجربة السعودية في الخصخصة هو قول مبالغ فيه بنسبة كبيرة، وكذلك الحكم على التجربة برمتها بالفشل سيكون فيه الكثير من الافتراء..

يرى الخبراء ومحللي الاقتصاد إن تجربة السعودية لم تكتمل على أي من الوجهين، فهي لم تفشل بالكامل وعلى الجانب الآخر لا يمكن اعتبارها تجربة ناجحة، فإذا ما عقدنا مقارنة بسيطة بين السعودية وأي دولة أخرى لجأت لنظام الخصخصة من الدول النامية، ولتكن على سبيل المثال دولة تشيلي، سنجد إن الفائدة التي عادت على تشيلي من اتباع سياسية الخصخصة أكبر وأهم، إذ أن معدلات النمو ارتفعت بنسبة كبيرة، هذا بخلاف العديد من المزايا الأخرى التي توفرت لاقتصادها القومي، أما إن نظرنا إلى التجربة السعودية سنجد إنها قد حققت نمو نسبي هي الأخرى، ولكنه في ذات الوقت تختلف عن التجربة التشيلية في افتقارها للعديد من المميزات.

السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو ما الفروق بين التجربتين السعودية والتشيلية، والإجابة سنجدها تتموحر حول فرق واحد رئيسي، ألا وهو أسلوب التعامل مع آليات الخصخصة، فالجانب السعودي كان متردداً ومتخوفاً من الاتجاه إلى الخصخصة، وله في ذلك كل العذر وكذلك له مبررات مقبولة، فالاقتصاد السعودي يتسم بالقوة والاستقرار، وقد اعتاد لفترة طويلة على ترك مقاليد الأمور مجتمعة بقبضة الدولة أو القطاع العام، لكن هذا التخوف سلب منه الامتيازات التي استفاد منها الاقتصاد التشيلي، الذي اعتبر الخصخصة مشروع تنموي بعيد المدى ولم يبد اهتماماً كبيراً بالآثار السلبية السريعة، أما السعودية فقد كانت خطاها نحو الخصخصة يمكن القول عنها إنها مُتباطئة.

مستقبل الخصخصة في المملكة العربية السعودية صعب التنبؤ به بدرجة كبيرة، إذ أنه متوقف على المسار الذي ستختار المملكة أن تسلكه بالحقبة المقبلة، فمحللي الأوضاع الاقتصادية بالمملكة يرون إن الفرصة لا تزال سانحة، ويمكن اغتنامها بشرط اتخاذ خطوات سريعة وجريئة، أهمها يتمثل في اتساع الأفق والتعامل مع كافة الأهداف بذات درجة الاهتمام، بمعنى جعل الأمر أكثر شمولية مما هو عليه الآن، فلا يكون الهدف من الخصخصة هو تخفيف العبء الواقع على الإنفاق الحكومي، والاعتداد بالخصخصة كوسيلة حقيقية من شأنها دفع عجلة الاقتصاد للأمام، وقادرة على المساهمة في الارتقاء بالدخل القومي للمملكة ككل، وهذا سيستلزم فتح المجال بشكل أكبر أمام مستثمري القطاع الخاص، وكذلك تعديد القطاعات التي يمكن تطبيق سياسة الخصخصة معها.