إنقاذ صناعة التأمين في المملكة العربية السعودية (1)

03/01/2016 5
د. عبد العزيز بن سعد الدغيثر

وصلني عبر وسائل التواصل مقطع لشاب يتلف سيارته ليحصل على عوض التأمين، ثم بحثت في اليوتيوب ووجدت أن هذه الطريقة موجودة بكثرة، ومع ما في ذلك من إلقاء للنفس للتهلكة وإتلاف للمال، وخداع لشركات التأمين، إلا أن الجانب الآخر وهو الجانب القانوني هو الذي يهم القارئ الكريم، وفي هذه المقالات بيان لرأي شخصي في خارطة طريق لإنقاذ صناعة التأمين من الجهة التنظيمية وجهة المسؤولية، ويشمل ذلك مسؤولية شركات التأمين ومسؤولية المؤمنين.

تعاني شركات التأمين من أزمة ثقة مع المجتمع في المملكة العربية السعودية بسبب مخالفة كثير من شركات التأمين للفتوى الرسمية.

وأول مصادمة للتأمين التجاري وقعت أمام القضاء، فقد صدر قرار سماحة رئيس القضاة ومفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ برقم (570/2) وتاريخ 18/8/1388هـ  بشأن تأييد حكم صادر من محكمة جدّة ببطلان عقد التأمين في قضية منظورة لدى القضاء.

ثم حصلت  مكاتبات بين مجلس الوزراء وهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية وعلى ضوئها صدر قرار هيئة كبار العلماء ذو الرقم 51 والتاريخ 4/4/1397هـ ، ومضمونه إجازة التأمين التعاوني وتحريم التأمين التجاري، وقد أيد هذا القرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي بقراره ذي الرقم (5) في دورته الأولى المنعقدة بتاريخ 10-17 شعبان 1398هـ، كما أيده مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بقراره ذي الرقم 9 (9/2) في سنة 1406هـ-1985م، وقد صدرت فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – بالرقم (3117) والتاريخ21/7/1400هـ  ومضمونها التأكيد على أن التأمين التجاري بجميع أشكاله محرم لما يشتمل عليه من الغرر والربا والجهالة والمقامرة وأكل أموال الناس بالباطل إلى غير ذلك من المحاذير الشرعية، كما تضمنت تحريم العمل في شركة التأمين بعمل كتابي وغيره لأن العمل بها من التعاون على الإثم والعدوان. 

ولما كانت بعض الشركات تذكر في إعلاناتها أنها قائمة على التأمين التعاوني، بينما هي تمارس التأمين التجاري صدر في 22/2/1417هـ، بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية برئاسة الشيخ ابن باز –رحمه الله- حول التأمين التجاري والتأمين التعاوني للبراءة مما قامت به بعض المؤسسات والشركات في التلبيس على الناس وقلب الحقائق بتسمية التأمين التجاري المحرم تأميناً تعاونياً ونسبة القول بإباحته إلى هيئة كبار العلماء من أجل التغرير بالناس والدعاية لشركاتهم.

 وقد حسمت الجهة المنظمة في الدولة موضوع التأمين فصدر المرسوم الملكي ذي الرقم (م/32) والتاريخ 2/6/1424هـ بنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني، وأسند الرقابة والإشراف على قطاع التأمين إلى مؤسسة النقد العربي السعودي، والذي نصَّ في المادة الأولى منه على أن: "يكون التأمين في المملكة العربية السعودية عن طريق شركات تأمين مسجلة فيها, تعمل بأسلوب التأمين التعاوني على غرار الأحكام الواردة في النظام الأساسي للشركة الوطنية للتأمين التعاوني, الصادر في شأنها المرسوم الملكي رقم (م/5) وتاريخ 17/4/1405هـ , وبما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية".

تمَّ تأسيس الشركة الوطنية للتأمين التعاوني كشركة سعودية تملكها الدولة بهدف التأمين على المشروعات الكبرى والاحتفاظ بنسبة كبيرة من أقساط التأمين داخل المملكة وذلك بموجب المرسوم الملكي رقم (م/5)، وقد انتهجت نموذج المضاربة في إدارة التأمين وفقاً لنظامها الأساسي؛ حيث كان هذا النموذج هو الشائع في تلك الفترة الزمنية، ويعد النموذج الأول لنماذج إدارة التكافل في العالم.

- لكن من المؤسف أن اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني، قد جاءت بما يصرف التأمين عن ذلك إلى التأمين التجاري – بل إن اللائحة بنيت على التأمين التجاري، وتوضيح ذلك في المقال القادم.