كيف لا يُستَغَل المُستهلك؟

31/12/2015 3
د. إحسان بوحليقة

هناك من المحلات من لم يضع أي وقت، فرفع أسعاره مباشرة.

أفهم أن ترتفع مدخلات الإنتاج، فتزيد تكلفة الإنتاج، فيرفع التاجر السعر للمحافظة على هامش الربح.

أما الأمر الذي فيه امتطاء كل فرصة للكسب، فهو أن تزيد تكلفة الإنتاج ريالا فيرفع التاجر تكلفته ريالين أو ثلاثة أو حتى أكثر من ذلك.

أعرف محل بيع قهوة مشهورا جداً، رفع أسعاره صبيحة إعلان قرار خفض الدعم عن البنزين والكهرباء والماء، فأضاف على كوب القهوة المعتاد ريالين، فارتفع سعره من 11 ريالاً إلى 13 ريالاً!.

وقد يتحدث أحد بأن الأسعار يجب ألا ترتفع، لكن هذا مطلب صعب مع ارتفاع سعر التكلفة.

لكن الجشع أمر ليس مقبولا من أحد. ونحن -كمستهلكين- ندفع تكلفة ضعف حِسّنا الاستهلاكي، بأن نفضفض في "تويتر" وفي الاستراحات بعدم قبولنا انتهاز التجار لكل فرصة لزيادة الأسعار، لكننا لا نفعل شيئاً لمجابهة "انتهازيتهم" تلك!! تصور لو أن الزبون ترك كوب القهوة من ذلك المحل المشهور الذي قرر زيادة ريالين، وذهب إلى محل آخر منافس لم يزد السعر بل أبقى عليه كما هو (على الأقل حتى الآن)، عندها سيشعر صاحب محل القهوة بأن المبيعات هبطت وبأن ربحيته تأثرت، وعندها سيفكر كيف يستعيد الزبائن! الزبون هو صاحب القرار بالشراء من عدمه، ولذا فعليه أن يتخذ القرار الذي ينسجم مع أقواله و"حلطمته" على تويتر مع متابعيه وفي الاستراحة مع أصدقائه.

وهناك من يلقي اللوم على الرقابة على الأسعار، وبالقطع لابد من الرقابة على الأسعار، ولكن الأهم هو وعي المستهلك لقوته، فهو مَن يشتري وبفعله ذاك يُؤيد -من حيث لا يدري- قرار التاجر الذي بالغ في زيادة السعر، والمستهلك هو من يُقرر ألا يتواصل مع جهات مراقبة الأسعار والأسواق وبفعله ذاك يحمي التاجر الجَشع.

حدثتكم في هذا الحيز في أكثر من مناسبة عن شخص لا يفوت فرصة، عندما يلاحظ شبهة مخالفة ضد المستهلك، في ان يتصل بوزارة التجارة والصناعة، وقد كسب أكثر من جولة بالفعل، إحداها تتعلق بجهاز جوال، وأخرى بملاحظته أن سعر عبوة القهوة في أحد محلات البقالة قد تغير سعرها دون مبرر، وهكذا.

خفض الدعم قرار سيادي، أما حماية المستهلك فهي مهمتنا جميعاً، وجزء مهم منها يعتمد علينا نحن المستهلكين. والجزء الآخر تشجيع المنافسة في السوق، ولعل هذا من أهم الإصلاحات التي يجب أن تتخذ كجزء من برنامج التحول الوطني، فثمة أسواق لسلع يحتكرها تاجر أو اثنان، أو تعاني من احتكار القلة، فيصبح التاجر هو من يحدد السعر، وليس المستهلك، وهذا خلل كبير، فما أن يتربع الاحتكار في سوق حتى يكون الضحية المستهلك، فينعدم التوازن في السوق، بل تنعدم السوق برمتها، بأن لا تصبح سوقاً؛ فالمشترون فيها "ذاعنون" (من إذعان) للبائعين!.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن أمر إصلاح الأسواق وتطويرها قضية جوهرية وليست تفصيلية جزئية، وقد تناولها تحديداً الخطاب الملكي لخادم الحرمين الشريفين تحت قبة الشورى، في فقرةٍ، نَصها:

"كما أننا حريصون على تحسين السوق التجارية السعودية، وتكوين بيئة جاذبة للعمل والاستثمار للشركات الوطنية والأجنبية، وتبسيط الإجراءات وتسهيل الاستثمار في السوق السعودية، ولقد وجهنا بفتح نشاط تجارة التجزئة والجملة للشركات الأجنبية سعيا لتنويع السلع والخدمات التي تقدم للمواطنين وتوفيرها بجودة عالية وأسعار تنافسية مناسبة، وفتح فرص جديدة للعمل والتدريب للشباب السعودي".

وأخذاً بالاعتبار أن بيان الميزانية للعام 2016، الذي صدر قبل أيام قليلة، قد وجه بمراجعة وتقييم الدعم الحكومي وإعادة تسعيرها بالتدريج على مدى خمس سنوات، فلعل من المناسب كذلك مراجعة أمرين إضافيين، هما:

1.نظام المنافسة، ليتبنى سياسة توسعية لتشجيع المنافسة بفتح الأسواق للمستثمرين، والأخذ على يد المحتكرين.

2.السياسة التموينية، بإعادة مراجعتها، وإدراج السلع الملائمة ضمنها، بما يتلاءم مع الوضع الراهن، إذ يبدو أن السياسة لم تخضع لمراجعة منذ زمن.

خلاصة القول، إن سياسة التدرج في خفض الدعم على السلع ضرورية مثل المحروقات والكهرباء والماء يتطلب سياسات تكميلية هدفها منع الانتهازيين من استغلالها لمضاعفة أسعار السلع.

وتشمل تلك السياسات حفز المنافسة ومنع الاحتكار وفتح الأسواق وضبط مراقبة الأسواق، ففي ذلك مصلحة كبيرة للمستهلك من جهة، ولاستقرار الأسعار بالحد من الآثار التضخمية في تكاليف المعيشة.

نقلا عن اليوم