تقرير «ماكنزي» ومعضلة تنمية الإيرادات غير النفطية

13/12/2015 3
د. إحسان بوحليقة

تقرير ماكنزي متميز، شَخَّصَ وسَبَرَ، لكنه لم يأت بجديد لا تعرفه أدبيات التنمية والنمو السعودية.

وإن جادل أحدٌ أن التقريرَ أتى بجديد، فلعل من المقبول الردّ بأن التشخيص الدقيق والوصفات الحصيفة -على أهميتها- لا تُحدث تنميةً ونمواً، بل يُحدثهما التنفيذ الحاذق والمتحرك لتحقيق النتائج المستهدفة.

وطلباً للإيضاح، فشركة ماكنزي هي من أعرق بيوت الخبرة العالمية، أعرف هذا من باب المعرفة المهنية اللصيقة بحكم عملي، فقد تأسست قبل نحو تسعين عاما من قِبَل أستاذ في جامعة شيكاغو المرموقة، ويربو عدد موظفيها حالياً على 17 ألفاً، ولها أكثر من مئة مكتب في أنحاء العالم، وقد تجاوزت إيراداتها 8 مليارات دولار في العام 2014.

و "تقرير ماكنزي" هو الجهد الاستراتيجي الثاني خلال الألفية الثانية، فقبل قرابة 13 عاماً، في أكتوبر 2002، نظمت وزارة الاقتصاد والتخطيط في الرياض ندوة الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي، التي قدم فيها 120 ورقة على مدى أربعة أيام، كانت مرتكزاً لإطلاق المنظور الإستراتيجي للاقتصاد السعودي 2024، الذي نشر كوثيقة، واستخدم كأساس للتخطيط التنموي للخطط الخمسية الثامنة والتاسعة والعاشرة.

وفي ذاك الوقت بيّن وزير الاقتصاد والتخطيط آنئذ الأستاذ خالد القصيبي أن بات في حكم الحقيقة المؤكدة المزايا النسبية الوطنية الحالية لا تتمتع بأية ضمانات، إذ يمكن للمتنافسين من خلال الابتكار والتكنولوجيا والمعارف الفنية المتقدمة وحداثة التنظيم والإدارة محاكاة المزايا النسبية وصياغة مزايا تنافسية جديدة، تعدل من أوضاع الأسواق والمعاملات، ويستلزم ذلك أن نبني ركيزة الرؤية المستقبلية على قاعدة امتلاك المزايا التنافسية، والسعي إلى تطويرها وتدعيمها بشكل دائم ومستمر.

وأفاد الأستاذ القصيبي بأن الحاجة لتنشيط تدفق الاستثمارات الاجنبية المباشرة في عديد من القطاعات والأنشطة أصبح ضرورة، ويتطلب ذلك تهيئة البيئة والمناخ بالقدر اللازم؛ لتشجيعها وبصفة خاصة التدفقات المصاحبة للتقنية المتقدمة والمعارف الفنية المتطورة والقدرات التسويقية للتصدير؛ مما يستلزم ذلك أن تشتمل الاستراتيجية التنموية طويلة الأجل على منظومة متكاملة من السياسات والتشريعات والآليات القادرة على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر بالمعدلات المطلوبة واللازمة، وفق أولويات التخطيط الإستراتيجي، مع الاستفادة من تجارب الاستثمار الاجنبي المباشر في الدول النامية بكل ايجابياتها وسلبياتها؛ لتحديد الإطار الأمثل للمصالح الوطنية المشروعة.

وتلخص، آنئذ (2002)، هدف الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي رسمياً في الوصول:

لاقتصاد متنوع ومزدهر يضمن توفير فرص عمل مجزية ورفاهية اقتصادية لجميع المواطنين السعوديين، وتوفير التعليم والرعاية الصحية الجيدة للسكان، وتزويد القوى العاملة بالمهارات اللازمة مع المحافظة على القيم الإسلامية والتراث الثقافي للمملكة.

ومن خلال تلك الرؤية ودراسات معمقة أخرى، اعتمد المنظور الإستراتيجي للاقتصاد السعودي، وأصبح أساساً للتخطيط بعيد المدى؛ حتى لا تصبح إطلالتنا على المستقبل محصورة في خطط خمسية منفصلة، ومن ذاك المنطلق، كان المنظور يخضع لمراجعات متتابعة، فعلى سبيل المثال:

ذكرت وثيقة الخطة الخمسية التاسعة في منهجية إعدادها أنه: "تزامناً مـع إعـداد خطـة التنميـة التاسعة، تمت مراجعة الاستراتيجية بعيدة المدى للاقتصاد الوطني حتى عام ١٤٤٦/٤٥هـ (٢٠٢٤) وتطويرها، في ضوء المستجدات الاقتصادية المحلية، والتغيرات الاقتصادية الدولية، والتوقعات الخاصة بالمسار المستقبلي لبعض المتغيرات الاقتصـادية ومنهـا:

التوجـه نحـو الاقتصاد القائم على المعرفة. ومن الجوانب التي شملتها المراجعة، تحديث قواعـد البيانـات التي ترتكز عليها العناصـر المكونة لمؤشر نوعية الحيـاة فـي الاسـتراتيجية، والعناصـر المكونة لمؤشر تنمية المناطـق. كمـا تمّــت الاسـتفادة مـن الاسـتراتيجيات القطاعيـة المعتمدة، ومنها:

الاستراتيجية الوطنية للصناعة، والاستراتيجية العمرانية الوطنية، والسياسة الوطنية للعلوم والتقنية، واستراتيجية التخصيص، والخطـة الوطنيـة للاتصـالات وتقنيـة المعلومات، والاستراتيجية الوطنية للتوظيف، واستراتيجية الموهبة والإبداع ودعم الابتكار وغيرها."

وتجدر الإشارة إلى أن للمنظور الإستراتيجي بعيد المدى أهداف كمية محددة، في نمو الناتج المحلي الإجمالي، وسوق العمل، ومساهمة القطاع الخاص، ومساهمة الأنشطة الاقتصادية في الناتج المحلي الإجمالي؛ وتحديداً أن تنمو قوة العمل الوطنية إلى 11.850 مليون مواطن ومواطنة بحلول العام 2024، وأن تحقق معدل نمو سنوي متوسطه 8.2 بالمائة خلال الفترة، وأن تنمو مساهمة القطاع الخاص لتصبح 69.3 بالمائة بحلول العام 2024، وأن يحقق الناتج المحلي الإجمالي معدل نمو سنويا متوسطه 6.6 بالمائة خلال الفترة المنتهية في العام 2024 لتصبح قيمتهُ 2.542 ترليون ريال بنهاية 2024 بالأسعار الثابتة لعام 1999.

القصد، أن هذا وقت كلام أقل وفعل أكثر، فالعبرة بالإنجاز على الأرض، وعلينا تذكر أنه وعلى الرغم من ضخامة الاقتصاد السعودي (نحو 750 مليار دولار)، إلا أن إيرادات الخزانة العامة غير النفطية قُدّرت بأقل من 31 مليار دولار نهاية العام 2014! ومنذ العام 1970 وخططنا الخمسية تتخذ تنويع الاقتصاد ومصادر الخزانة هدفاً لها، غير أن التنفيذ –بعد مرور 45 عاماً- لم يلامس التطلعات!

وهكذا، فعلى الرغم من جودة تقرير ماكنزي إلا أنه لم يجلب جديداً، بل ليس من الانصاف مطالبته بذلك. فالجديد نجلبه نحن؛ وسيتجسد في:

كفاءة التنفيذ، شفافية التنفيذ، والمحاسبة عند قصور التنفيذ عن المستهدف.

فلقد تحدثنا على مدى نصف قرنٍ عن التنويع، ودبجنا خططاً وتقارير ودراسات متميزة في مجملها لم نلتزم بتنفيذها، فلعل الجديد أن "نحفر أهدافنا في الصخر" حتى لا ننساها مع مرور الوقت.

كذلك، فإن الخيارات عديدة، وتتفاوت تكلفة تنفيذ كل من تلك الخيارات.

أما جمال الحلول فيكمن في سلاسة ورشاقة تنفيذها، وتدني تكلفتها مقارنة بعوائدها.

ولعل الجديد هذه المرة ليس فيما عرضه تقرير ماكنزي -رغم جودته-، بل في بيان كيف أننا سننفذ هذه المرة بنجاح ما سبق أن استهدفناه مراراً من قبل ولم نُصبه؛ ففي العام 2002 وضعنا منظوراً استراتيجياً حتى العام 2024 ولم نلتزم بتنفيذه، ولاسيما فيما يخص تنويع إيرادات الخزانة العامة.

ولعلنا أمام تحد جديد؛ يكمن في تحقيق مكاسب بالحد من الهدر، أي رفع الكفاءة.

وحقيقة، فرفع الكفاءة يمثل نصفَ الحل وليس الحلَ كله.

أما النصف الثاني من الحل فأن نجعل التنفيذ استراتيجيتنا؛ فإن وضعنا هدفاً فلزاماً علينا تنفيذه بكل جدية الدنيا. إذاً، لا بد أن يشتمل الحل المجدي على جزءين

1- خفض الهدر لترشيد الانفاق ترشيداً قيمياً.

2- الاصرار على تحقيق المستهدف.

أما تقليص الهدر فشرطٌ ضروري لأي مبادرةٍ لترشيد الانفاق أو تنمية الإيرادات، حفاظاً على المال العام إيراداً وانفاقاً. ولا سبيل للاستهانة بأهمية الإصرار على إنجاز المستهدف؛ فإن لم نأخذ خططنا التنموية والإستراتيجية بغاية الجدّية ، فمن سيأخذها؟!

نقلا عن اليوم