طبخ الأرقام

02/11/2015 1
عبد الرحمن بسيوني

ليس كل منا من يجيد طبخ الطعام، لأن عملية الطبخ تحتاج إلى المهارة والمعرفة بمكونات الطبخة ونوعية البهارات المستخدمة لكي تكون الوجبة الغذائية شهية وجاهزة للتقديم. لكن الطباخ الماهر أو من شارك في أعداد هذه الطبخة هو من يعلم بهذه المكونات. 

كذلك هو طبخ الأرقام والتلاعب بالقوائم المالية والدفاتر. فلايعلم بكيفية طبخها إلا الماهريين في المجال المالي والمحاسبي ومن لهم دور في إتخاذ القرارات، حيث يتم الغش والتلاعب بالأرقام بناءاً على مستندات وهمية وحسابات مالية مفبركة، والتي تعتبر هي البهارات الرئيسية لإخفاء المركز المالي الحقيقي للشركة. وعادة ما يتم ذلك عن طريق إظهار القوائم المالية بإيردات مرتفعة ومصاريف منخفضة وبالتالي ظهور أرباح تفوق التوقعات من سنة الى أخرى أو من ربع لأخر. بهدف رفع القيمة السوقية للشركة للإحتيال على المستثمرين وخداع المستخدمين لهذه الأرقام.

 في عام 2002، قامت شركة أنرون بإعداد طبخة مالية عن طريق إخفاء الديون التي كانت تقدرب 30 مليار دولار، وزيادة الإيردات الوهمية لها عن طريق عمل مايسمى بعقود الإيجار المصطنعة (Synthetic leases) . كل ذلك بغرض رفع القيمة السوقية للسهم لكي يتسنى للمدير التنفيذي كن لاي حامل شهادة الدكتورة في الاقتصاد، ومعاونيه المدير المالي أندي فاستو، ومدير التشغيل جِف سكيلنج خريج جامعة هارفارد من بيع حصة أسهمهم  بسعر مرتفع، والذي كان يقارب 100 دولار لتحقيق اكبر قدر ممكن من المال والمكافأت. لكن فيما بعد أكتشف أحد المحاسبين بالشركة أن الارقام في الدفاترغير متطابقة مع بعضها البعض وأن هناك تلاعب كبير بها، بالرغم من مصادقة المراجع الخارجي شركة أرثر أندرسون عليها أنذاك، والتي كانت تستلم مليون دولار أسبوعياً مقابل أتعابها. في ديسمبر 2002 وصل سعر سهم شركة أنرون إلى أقل من واحد دولار (40 سنت) وأعلانت الشركة إفلاسها ولحقت بها شركة آرثر أندرسون معلنة إفلاسها هي أيضا فيما بعد. 

 عملية طبخ الارقام أو القوائم المالية ليس مقتصراً فقط على مستوى الشركات، بل هي تتعدى ذلك لتكون على مستوى الدول ايضاً. فهي عملية عالمية ومتعارف عليها بين الدول، خاصة الدول التي يكثر بها الفساد السياسي والإقتصادي من أجل المال طبعاً. اليونان أحد أشهر هذه الدول التي أشتهرت بطبخ القوائم المالية، او ما يعرف اقتصادياً بمصطلح طبخ الدفاتر(Cooking the Books). ولهذا السبب تم رفضها بالإنضمام من الاتحاد الاوربي في بداية الأمر وذلك لعدم تحقيقها الحد الأدنى من المؤشرات الاقتصادية، لكن تم لها الموافقة لاحقاً بالإنضمام. 

وبالرغم من ذلك، فهناك الكثير من الاقتصادين الذين يعتبرون ان أحد أهم الأسباب الرئيسية في الأزمة المالية التي يمر بها الأتحاد الاوربي الأن هي الطبخة اليونانية لقوائمها المالية التي ظهرت رائحتها، وبالتالي أثرت سلباً على النشاط الإقتصادي لدول الإتحاد الأوربي ككل. فجميع المؤشرات الإقتصادية التي تم تقديمها لقبول طلب اليونان بالإنضمام، ظهر أنها أرقام مطبوخة بمهارة على الورق، لكنها غير موجودة فعلياً على أرض الواقع مثل معدل البطالة، والتضخم، ومعدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي(GDP) . مما أثر على حجم الديون الضخمة التي أستطاعت اليونان الحصول عليها من الدائنون والفشل في سدادها بكل تأكيد حتى هذه اللحظة. 

وخلاصة القول، أن الأرقام بحد ذاتها لاتكذب، وأنما من يضع هذه الأرقام هو من يكذب و يتلاعب بها للخداع والإحتيال على المستخدمين لهذه الأرقام. بغرض تحقيق مصالح وأهداف شخصية وأموال غير شرعية، يكون ضحيتها المستثمرين والأفراد أصحاب العلاقة. وكل ذلك بسبب الجشع والطمع  للحصول على أكبر رقم ممكن من المال، في ظل غياب الجهات الرقابية  والقوانين الصارمة والأنظمة الرادعة لذلك.