الإتجاه القادم لتدفقات رؤوس الأموال.. وأثرها على النمو العالمي

22/10/2015 1
نور الدين عثمان

كانت أنظار العالم تتجه نحو إجتماع الفدرالي في سبتمبر الماضي فيما يخص نسبة أسعار الفائدة، وحينما أبقى قرار الفدرالي على أسعار الفائدة دون زيادة، تنفس العالم الصعداء، ولكن سرعان ما ذهبت الآمال أدراج الرياح.  فما أعطاه الفدرالي باليمين أخذه باليسار، عندما تحدث عن تباطؤ الاقتصاد الأمريكي وعدم تحقيق النمو المطلوب، وصدر شبه إتفاق على موجهات رفع أسعار الفائدة قبل نهاية العام الجاري 2015. وبهذا ظل الاقتصاد العالمي مكانك سر في إنتظار من سيفرج عنه نحو الإنتعاش، وظلت رؤوس الأموال في وضع حذر لا هي قادرة على الإستثمار بثقة ولا هي قادرة على تحديد وجهتها القادمة.

 ومن الجدير ذكره عدم حدوث أي تغيير في نسبة أسعار الفائدة الأمريكية منذ العام 2008 وبقيت في سلم 0.25%، حيث كانت النسبة في عام 2000م  6.5% وإنخفضت الى 1% في عام 2004 وأتخذ الاحتياطي قرارا برفعها الى 5.25% في عام 2006، وظلت في تراجع الى أن وصلت الى نسبة صفرية في 2008، وظلت ثابتة عند 0.25% الى يومنا هذا.

وهنا السؤال الموضوعي الذي يطرح نفسه، لماذا التركيز على نسبة الفائدة الأمريكية؟ ولماذا كل التوقعات تتحدث عن حساسية قوية تتصف بها رؤوس الأموال في العالم تجاه أي تغيير قد يحدث في النسبة المئوية لأسعار فائدة البنك الفدرالي الأمريكي؟. 

الأزمات الأخيرة التي ضربت إقتصاد العالم من إنخفاض أسعار النفط دون الـ50 دولار للبرميل وتداعيات تحرير العملة الصينية والتوترات التي تشهدها مناطق عدة حول العالم، جميعها كانت لها تأثيرها المباشر على إقتصاديات الدول، وتأثرت كل الأسواق المالية حول العالم وتوشحت باللون الأحمر، وهذا أثبت للكل بوجود إرتباط قوي وموضوعي بين كل الإقتصادات الناشئة والمتقدمة والأسواق المالية، ولكل فعل في سوق معين له ردة فعل يقابله في سوق آخر سلباً كان هذا الفعل أو ايجاباً، ومن هنا جاءت المتابعة اللصيقة لأي قرار يصدر من البنك الفدرالي الأمريكي أو من المركزي الأوربي، وستظل رؤوس الأموال في حالة إنتظار وترقب لأي قرار فدرالي قادم لتبدأ رحلة التدفق نحو الإقتصاد الأمريكي للإستثمار في سندات الخزينة الرابحة، وسيظل الربح هو الهدف الأساسي لأي حركة لهذه الأموال، وهذا التدفق بدروه سيخلق أزمة جديدة ستشهدها الأسواق الناشئة وستبدأ رحلة البحث عن حلول عاجلة.

حينما صرحت جانيت يلين رئيسة مجلس الإحتياطي الفدرالي الأمريكي، عن نية المجلس برفع أسعار الفائدة قبل نهاية هذا العام، كانت تضع في حسبانها العوامل الخارجية، على الرغم من قولها بأن هذه العوامل لن تؤثر على القرار، ولكن القرار الأخير القاضي بإبقاء النسبة كما هي، جاء بدرجة كبيرة بتأثير من هذه العوامل الخارجية بالإضافة الى البيانات الإقتصادية الضعيفة فيما يخص التضخم وتراجع مؤشر أسعار المستهلكين كما أعلنت الحكومة الأمريكية، ولكن هناك تشكيك كما صرحت يلين في إستمرار هذا الأثر الخارجي نسبة لتنوع الإقتصاد الأمريكي وإعتماده الكبير على المستهلك المحلي، وهذا سيقودنا الى التفكير في ما قد يحدث للإقتصادات الناشئة وأسواق البورصة العالمية عندما تفقد رؤوس أموال تؤكد الإحتمالات سرعة مرونتها في التدفق نحو السوق الأمريكي.

وعلينا الوضع في الإعتبار التخوفات التي أبداها صندوق النقد الدولي نحو مستقبل مجموعة الدول المستوردة للنفط في الشرق الأوسط MENAP، حيث تحدثت التقارير عن تراجع النمو وإرتفاع في نسب البطالة، بالإضافة الى التوترات التي تشهدها هذه الدول، وإرتفاع في قيمة الضرائب المفروضة، والتي كما أوصى الصندوق يجب تخفيضها وتقديم إعفاءات ضريبية لصالح التنمية.

وهذه التخوفات بدورها ستنتج تخوفات أخرى في حالة رفع الفائدة الأمريكية، وسينقطع أخر أمل في إنتظار إستثمارات محتملة في تلك الأسواق، وقد نشهد تراجعات كبيرة في إقتصادات قوية كالصين واليابان وبعض دول أوربا ، وسيكون هناك أثر واضح على عملات الدول الناشئة كاليوان الصيني وغيرها مقابل زيادة قيمة الدولار التي ستؤثر بشكل كبير على الطلب العالمي وتراجع في التجارة العالمية مما قد يؤثر مستقبلا على الإقتصاد الأمريكي والصادارت من البضائع الأمريكية، وسنشهد هروب كثيف لرؤوس الأموال من تلك الدول الى أمريكا للإستثمار في أسهم العقارات وسندات الخزينة، وهذه الخطوة ستضغط كثيرا على النمو في الإقتصادات الناشئة والتي ستضغط بدورها على نمو الإقتصاد العالمي والذي يعتمد بنسبة كبيرة على نمو هذه الإقتصادات الناشئة.

وعليه هل سنشهد ترتيبات إسعافية للإقتصاد العالمي في مواجهة أي قرار متوقع خلال هذا العام، قد يقود الى رفع نسبة الفائدة الأمريكية؟.. خصوصا بعد العودة التدريجية للثقة في الأسواق المالية، وتحديدا الصين ومنطقة الخليج، وبعد إتجاه كبار منتجي النفط و منظمة أوبك الى دراسة إمكانية إعادة أسعار النفط لمستويات فوق الـ50 دولار للبرميل كمخرج أخير نحو الحد من التراجع في النمو،  والعالم اليوم في إنتظار نتائج إجتماع العاصمة النمساوية فيينا فيما يختص بتخفيض الإنتاج، والدفاع عن حصص المنتجين في أسواق النفط، هل سيكون هناك إتفاق بين كبار المنتجين أم سيخرج بخفي حنين وسيظل التخوف الحذر هو سيد الموقف بشأن أي قرار أمريكي قادم مع إستمرار إنخفاض اسعار النفط والتوقعات المستقبلية لحركة تدفقات رؤوس الأموال؟.