40 دولارا للبرميل.. هل ستؤثر على الإقتصاد السعودي؟

25/08/2015 6
عبد السلام الدريبي

كثر الحديث خلال الأيام القليلة الماضية عن تأثير انخفاض أسعار النفط على الإقتصاد السعودي، وغلب على هذا الحديث تحليلات متشائمة جدا كما لو أن النفط نضب لا سمح الله أو كما لو أن العالم سيتوقف الأن عن استخدام النفط كمصدر رئيسي للطاقة.

لذلك في هذا المقال سأطرح وجهه نظري وبشكل مختصر. 

لمعرفة تأثير انخفاض سعر النفط على الاقتصاد السعودي على المدى القصير والمتوسط والطويل يجب علينا أن نجيب على الأسئلة التالية:

السؤال الأول: هل باستطاعة السعودية خفض الإنتاج وبالتالي تعديل الأسعار متى ما رأت الحاجة لذلك؟ علما بأن السعودية زادت إنتاجها من 9.6 مليون برميل قبل سنة من الآن إلى 10.6 مليون برميل في شهر يوليو 2015.

إن اصحاب القرار في الدولة اتخذوا قرارا بزيادة الانتاج رغم انخفاض أسعار النفط وذلك بهدف حماية الحصة السوقية للبترول السعودي على المدى القصير والمدى الطويل وفي نفس الوقت لحماية اسعار النفط على المدى المتوسط  والطويل بغض النظر عن تأثير القرار على اسعار النفط في المدى القصير.

المقصود في ذلك أن زيادة الإنتاج وإمداد الزبائن بالكمية التي يطلبونها مهما ارتفعت  هذه الكمية  المطلوبة سيضمن استخدام هؤلاء الزبائن للنفط السعودي في مصافيهم وعدم لجوؤهم للبحث عن مصادر اخرى للنفط مما يضمن بقائهم كزبائن على المدى القصير والمتوسط والطويل وبذلك تحافظ المملكة على حصتها السوقية.

وفي نفس الوقت انخفاض الأسعار سيؤدي لخروج (او خفض انتاج) عدد من المنتجين الجدد والذين استطاعو من زيادة انتاجهم وحصتهم السوقية خلال الفترة التي كان فيها سعر النفط في مستويات تفوق الـ 100 دولار. 

على سبيل المثال، منتجي النفط الصخري في امريكا استطاعوا من رفع انتاجهم من 1.4 مليون برميل يوميا في بداية عام 2010 (ما يمثل 1.6% من انتاج النفط العالمي) إلى 5.622 مليون برميل يوميا في شهر ابريل من هذا العام (ما يمثل 5.94% من انتاج النفط العالمي).

حتى الان يبدو أن انخفاض اسعار النفط بدأ يؤتي أكله، حيث أن الانخفاض في الأسعار خلال الفترة الماضية أدى إلى انخفاض إنتاج النفط الصخري الأمريكي ب 260 الف برميل يوميا حيث انخفض الإنتاج من 5.622 مليون برميل يوميا في إبريل من هذا العام إلى 5.362 مليون برميل يوميا في شهر أغسطس، ومن المتوقع أن يستمر الانخفاض في إنتاج النفط الصخري حتى نهاية العام وذلك نتيجة الانخفاض الكبير في الإستثمار في النفط الصخري حيث انخفض عدد منصات الحفر من 1931 منصة في ديسمبر 2014 إلى 831 منصة الاسبوع الماضي.

وهذا الانخفاض في الإستثمار هو نتيجة حتمية لإنخفاض اسعار النفط وذلك لأن تكلفة الإنتاج مرتفعة لنسبة كبيرة من المنتجين، بالتالي عندما كان النفط في مستويات ما فوق ال 100 دولار كان هناك جدوى من الاستثمار في حفر آبار جديدة، ولكن عند هذه الأسعار يكون حفر ابار جديدة يكون مجدي عدد قليل فقط من المنتجين.

في الحقيقة  بعض المحللين قدروا بأن تخفض شركات النفط استثماراتها خلال الفترة القادمة بنسبة 50% مقارنة بحجم الاستثمار في عام 2014، وهذا من شأنه أن يقلل من كمية إنتاج النفط خلال الفترة القادمة والذي من المتوقع أن يؤدي إلى إرتفاع الأسعار.

الرسم البياني التالي يوضح الإرتفاع الكبير في إنتاج النفط الصخري الأمريكي خلال الفترة الماضية والعلاقة بين انتاج النفط الصخري الأمريكي وعدد منصات الحفر الأمريكية حيث يلاحظ انه بعد 6 أشهر من انخفاض عدد منصات النفط بدأء التأثير يظهر في انتاج النفط الصخري:



السؤال الثاني: بافتراض أن متوسط أسعار البترول ستبقى قرب ال٤٠ دولار خلال الفترة القادمة،  كم سنة ستستطيع السعودية من تحمل هذه الاسعار المنخفضة؟

قبل الإجابة على هذا السؤال يجب الأخذ بالإعتبار النقاط التالية:

1- خلال العشر سنوات السابقة، استطاعت السعودية من زيادة احتياطياتها من 340 مليار ريال إلى 2,746 مليار ريال، أي بزيادة قدرها 2,400 مليار ريال وذلك باستثمار فوائض الميزانية.

2- إن نسبة الدين لإجمالي الناتج المحلي السعودي انخفضت من 83% عام 2003 إلى 1.6% فقط بنهاية العام الماضي وهي اقل نسبة في العالم، علما بأن نسبة الدين لإجمالي الناتج المحلي لليابان هي 230%، وللولايات المتحدة الأمريكية 102%، ولفرنسا 95%، ولبريطانيا 89%،  ولألمانيا 75%. 

بالتالي نظرا لوجود هذا الاحتياطي الضخم ونظرا لأنخفاض نسبة الدين فإن الدوله بإستطاعتها تمويل نفقاتها من خلال استخدام خليط من الدين والسحب من الإحتياطيات لفترة طويلة قد تصل لثمان إلى عشر سنوات قادمة بافتراض أن نفقات الدولة ستبقى قرب المستويات المعلنة لهذه السنة (والتي كانت تشمل مشاريع توسعية كبيرة) وبافتراض أن أسعار النفط ستبقى قرب مستويات ال 40 دولار أو حتى انخفاضها إلى ما دون ال 40 دولار لفترة بسيطة، رغم أن افتراض أن أسعار النفط ستبقى قرب مستويات ال 40 دولار لأكثر من سنة هو افتراض جدا متشائم.

السؤال الثالث و الأهم: بافتراض أن سعر النفط سيبقى عند مستويات ال 40 دولار، كم سنة سيبقى منتجوا النفط الصخري بإنتاج النفط عند مستويات الإنتاج الحالية؟ كم سنة ستبقى الدول المنتجة الاخرى انتاجها عند هذه المستويات علما بأن تكلفة الإنتاج لمعظم الدول أعلى من تكلفة انتاج النفط السعودي؟

الجواب على هذا السؤال سيجيب على التساؤل الذي طرحته في عنوان هذا المقال. باعتقادي أن هذه الأسعار تؤدي إلى انخفاض انتاج مصادر النفط ذات التكلفة العالية ابتداء من النفط الصخري الأمريكي والذي بدأ يظهر تأثيره خلال الأربعة أشهر الماضية كما ذكرت سابقا.

بالإضافة لذلك فإن استمرار الأسعار قرب مستويات ال 40 دولار سيزيد من الاستهلاك العالمي للنفط. بالتالي النتيجة الحتمية هي ارتفاع اسعار النفط في المدى القصير إلى مستويات ما فوق ال 50 دولار، أي قبل نهاية السنة الحالية.

وعلى المدى المتوسط من المتوقع أن ترتفع الأسعار لمستويات ما بين ال 60 و ال 80 دولار. وفي أسوأ الاحتمالات في حال أن الأسعار بقت عند مستوياتها الحالية، من المؤكد أن كبار منتجي النفط وبقيادة السعودية سيقوموا بخفض الإنتاج لتعيد سعر النفط للمستوى الذي يرضي المستهلكين والمنتجين.

 

لذلك فإن وجود الاحتياطيات الكبيرة للمملكة مكّن السعودية من اتخاذ قرارات تخدم مصلحة الإقتصاد السعودي على المدى المتوسط والطويل بصرف النظر عن تأثير سعر النفط على دخل الدولة في المدى القصير.

فرغم أن هذا الانخفاض سيؤثر على دخل الدولة في المدى القصير ولكن نظرا لقدرة تعويض الانخفاض في الدخل باستخدام الاحتياطيات و/أو الدين فإن تأثير هذا الإنخفاض سيكون محدود على الإقتصاد السعودي.