هل تستطيع آسيا الصمود أمام قوة الدولار؟

23/03/2015 0
ويليام بيسيك

هل يمكن لآسيا أن تهزم لعنة صعود الدولار؟ لا يعد هذا السؤال نظريا بالنظر إلى الدور المحوري الذي لعبته العملة الأميركية، وما تتمتع به من قوة داعمة، في إشعال الأزمة في المنطقة عام 1997، وكذلك فيما تعانيه أميركا اللاتينية من مصاعب مالية منذ 10 سنوات.

وعندما تتراجع قوة الدولار، تتدفق السيولة على أسواق الدول الناشئة، مما يؤدي إلى زيادة النمو والأصول، بينما مع زيادة قوة الدولار، يمكن أن يصبح مغناطيسا نقديا ضخما يبعد الاستثمارات الضرورية عن دول العالم النامي.

وفي ظل الدورة القوية الثالثة، التي يمر بها الدولار على مدى 30 عاما، بحسب اعتقاد الكثير من المراقبين، فإن لدى أسواق الدول الناشئة سببا وجيها يدعو للقلق. ومنذ الأزمة المالية العالمية التي حدثت عام 2008، ارتفعت القروض الضخمة بعملة الدولار الممنوحة لمقترضين أفراد في الخارج من 6 إلى 9 تريليونات دولار، بحسب مصرف التسويات الدولية.

ويعادل هذا المبلغ المخرج الاقتصادي السنوي للصين تقريبا. وتدين الشركات الصينية وحدها بـ1.1 تريليون دولار على الأقل.

في اقتصادات الدول الناشئة، التي تعاني عملاتها المحلية من تقلبات، مثل الهند وماليزيا، قد يكون منح الديون بالدولار استراتيجية ذكية وعملية، إلى أن يتبدل الوضع. ومع ارتفاع الدولار بشكل حاد على نطاق واسع منذ بداية عام 2014، بلغ 23 في المائة مقابل اليورو، و13 في المائة مقابل الين، واستعداد مصرف الاحتياطي الفيدرالي لرفع سعر الفائدة، سيواجه المقترضون صعوبة في تسديد قروضهم، ناهيك عن الحصول على قروض جديدة.

ويساعد هذا في تفسير تصدر شركة «كايسا» للتنمية العقارية في شينزين فجأة عناوين أخبار الصحف العالمية، فهي قد تكون قريبا أول شركة صينية تتخلف عن سداد سندات الدولار، وربما كذلك تحدث سلسلة من التأثيرات المتعاقبة في أكبر اقتصاد في آسيا.

لحسن الحظ، يبدو أن المنطقة باتت أكثر استعدادا لمواجهة تأرجح العملة، مقارنة بحالها عام 1997. وقال غلين ماغواير، الخبير الاقتصادي في مجموعة «أستراليا أند نيوزيلند» المصرفية في سنغافورة: «يراقب الناس ارتفاع الدولار بتوتر هذه المرة، لكن هذه الدورة مختلفة كثيرا من المنظور البنيوي.

يجب أن نضع في الاعتبار الرحلة المذهلة، التي قام بها اقتصاد الكثير من الدول الآسيوية، من الدخل المنخفض، مرورا بالدخل المتوسط، ووصولا إلى الدخل المرتفع منذ عام 1997».

ويشير ماغواير إلى عدة أسباب تدفعه إلى التفاؤل؛ فبوجه عام، لم تعد أسعار الصرف في آسيا ترتبط بالدولار.

وأصبحت الحسابات الحالية أقل إثارة للقلق، وتمكنت الكثير من الدول من مراكمة كمية كبيرة من احتياطي العملة. وتراجعت الفروق الخاصة بأسعار صرف العملات بين الأصول والالتزامات المالية.

وازدادت القطاعات المصرفية قوة، وأصبح نهج المصارف المركزية أكثر شفافية عن ذي قبل. مع ذلك، في حال انزلاق أسواق الدول الناشئة حول العالم نحو الفوضى، فلن تكون آسيا بمنأى عن ذلك.

هل تذكرون في عام 2013 عندما بدأ مصرف الاحتياطي الفيدرالي يتحدث عن الخفض التدريجي للإنفاق على برنامج شراء السندات، سرعان ما انخفضت عملة كل من الهند، وإندونيسيا، انخفاضا مفاجئا.

وبوجه خاص، قد تندم المنطقة على استمرار الارتفاع النسبي لمستوى ديون القطاع غير المالي بعملة الدولار.

وقد توقف عند مستوى 10 في المائة من متوسط إجمالي الإنتاج المحلي، في منتصف عام 2014، مقارنة بمستواه عام 1997، الذي كانت نسبته 11 في المائة. ويمثل هذا «مصدرا جديدا محتملا للهشاشة» مع بدء ارتفاع سعر فائدة مصرف الاحتياطي الفيدرالي على حد قول كالوم هندرسون، رئيس أبحاث الصرف الأجنبي في مصرف «ستاندرد تشارترد» في سنغافورة.

وخلال الأسابيع القليلة الماضية، فاجأت المصارف المركزية لكل من الهند، وتايلند، وكوريا الجنوبية، الأسواق بخفض سعر الفائدة، لكن من المتوقع ألا تقدم آسيا على المزيد من الخفض، في ظل توقع واضعي السياسات ألا يتمكن الكثير من المقترضين المحليين من سداد ديونهم في حال انخفاض العملات إلى مستوى متدن جدا.

وينطبق هذا بوجه خاص على الصين، حيث تمثل القروض بعملة الدولار تهديدا متناميا للاستقرار.

وكما كتب توم أورليك، وفيليدينغ تشين، الخبيرين الاقتصاديين في «بلومبيرغ»، في تقرير جديد «قوة الدولار تعني ضعف الصين».

وأشارا إلى أنه في حال تراجع مستوى اليوان، «سيؤدي هذا إلى زيادة تكلفة سداد الديون، وكذلك الضغوط المالية على الشركات المدينة».

على الجانب الآخر، مما يشجع هندرسون من «ستاندرد تشارترد» ويبعث الطمأنينة في نفسه، هو تشجيع المصارف المركزية للشركات على توخي الحرص، وخفض ديونها التي بعملة الدولار، قبل بدء مصرف الاحتياطي الفيدرالي اتخاذ خطواته.

وحتى إذا باتت المؤشرات والمعطيات أقوى، سيؤدي التدفق الحتمي لرأس المال من أسواق البورصة، وأسواق السندات، المحلية إلى تحديات إدارية كبيرة.

وينبغي لكل من المصارف المركزية، وصناع السياسات في الحكومات، التحرك سريعا من أجل تحقيق الاستقرار لاقتصاد دولهم. ويعني هذا وضع ما تسمى سياسات «كلية حكيمة» تتضمن فرض قيود على رأس المال بغرض توفير الحماية من الاضطرابات.

كذلك ينبغي على الحكومات تأمين الثغرات، والحد من العجز في الحسابات الحالية، وزيادة الفائض. ويجب عليها تحضير حزم مالية محفزة للطوارئ، والتركيز في الوقت ذاته على الاستثمارات التي تزيد القدرة الإنتاجية والتنافسية، بحيث يقل اعتماد الاقتصاد على القروض، ورأس المال الأجنبي، على المدى الطويل.

وقد يكون الوضع في آسيا مختلفا عنه في عام 1997، لكن المنطقة لديها 9 تريليونات وهو ما يجعلها تستعد لمواجهة أي تحول غير محتسب في مسار الأحداث. 

نقلا عن الشرق الأوسط