هذا حل مشكلة المؤسسات المتوسطة والصغيرة

11/03/2015 2
مازن السديري

عندما تمعن التفكير في مشكلة اقتصادية مستعصية لسنين، أو لقطاع واضح ضعف مشاركته قياساً بأغلب اقتصادات العالم، فلا تضيّع الوقت بدراسة المشكلة، ولكن راجع الأبعاد الأساسية لأي اقتصاد وهي الموارد والمجتمع والقوانين والتعليم والتقنية فالمشكلة وحلها هناك.

كنت في مقالي الأخير قد تطرقت إلى عوائق نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة، وذكرت أبرز العوائق:

التمويل والموارد البشرية.. وتشرفت بمشاركة الإخوة القراء حول وجهة نظرهم التي اختلفت، حيث طالب البعض بزيادة الحد من العمالة الأجنبية وإعادة تنظيم السوق مثل محطات الوقود التي تسيطر عليها العمالة الرخيصة.. وفي المقابل جاءت وجهات نظر مختلفة وترى أن نشاطاً مثل المقاولات لا يستطيع توفير عدد السعوديين المطلوب من وزارة العمل بالنسبة لعدد العمالة، كما تشرفت بوجهات نظر تطالب برفع السقف التمويلي للبرامج التشجيعية مثل برنامج كفالة، وتطالب بزيادة تعاون المصارف التجارية.

في البداية أشكر كل من شاركني، وأتفق مع الجميع على تشجيع نمو قطاع المؤسسات المتوسطة والصغيرة لقدرتها على خلق فرص وظيفية، حيث يرى البنك الدولي بأن تضاعف الفرص لكل شركة هو من أربعة إلى عشرة، لذلك فإن هذا القطاع مهم ويحتاج إلى تأمل أعمق.

إذاً أين الحل؟ بصراحة لا يوجد حل لهذه المشكلة إذا رأيناها من هذا المنظار فقط، حيث من الصعب وضع العتب على قوانين وزارة العمل التي تهدف للحد من العمالة الأجنبية غير المؤهلة، وكذلك إرغام المصارف على تمويل عالي المخاطر لأموال هي في الأصل ودائع لعملاء.

الحل هو في إعادة النظر والتأمل في التجارب الأخرى، خصوصاً التمويلية، مثل تجربة بنك "القرية" الذي أسسه محمد يونس في بنغلادش، مع العلم أن هناك اختلافاً كبيراً بين اقتصاداتنا، حيث 28% من البنغاليين يعتبرون تحت خط الفقر هناك وهو المعرّف بدخل يومي أقل من دولارين، ونسبة 80% من المواطنين يعيشون في الأرياف النائية، لكن تبقى الخطوط العريضة للبنك مثالية وتستحق المراجعة مثل أن التمويل يتم على فائدة اقتصادية وليس تشجيعية، معنى ذلك أنه من الممكن أن يخلق تمويلاً مشابهاً قائماً على العدالة وليس التشجيع، التشجيع يكون بخلق بيئة تمويلية تشجع المصارف للاستثمار وسط معايير أخرى للتقييم والرهن مثل الأصول، وإذا كان المشروع يقوم على خدمات تطلب مصاريف تشغيلية وليست أصولاً إنتاجية، فرهن يبنى على اختبار المهارات والقدرات للمقترض، مثل المهارة في الخياطة والطهو والتصميم مع تقسيط دفع الأموال للمقترض للتأكد من جديته.

اللافت للنظر في تجربة محمد يونس أن 97% من المقترضين كانوا من النساء.. (65% من المشروعات الجريئة حول العالم كانت مؤسسة على يد نساء) ونتج عن ذلك ظاهرة جديدة في المجتمع البنغالي بزيادة حدة النساء وعصيانهن لأزواجهن، ومن الطريف أن أحد شيوخ بنغلادش (مولانا إبراهيم) تعرض لمحمد يونس واعتبر ما يفعله مخالفاً للشريعة الإسلامية ويشجع على العصيان للزوج.. والحقيقة في نظري أن ما فعله محمد يونس هو حقيقة الإسلام بأن فعّل الطاقات المعطلة وحفظ لكثير من السيدات كرامتهن لئلا يقعوا في المحظور، وساهم في رفع دخل الأسرة..

والسؤال: هل القوانين الموجودة في المملكة كافية لمشاركة نسائية أكثر في هذا القطاع؟ لابد أن تكون كافية لتفعيل هذا القطاع أكثر.

في اقتصادات أخرى - وبالتحديد شرق آسيا - ظهرت ظاهرة الأسر المنتجة، وفي أوروبا (الأصدقاء المنتجون) صاحب الفكرة والمشروع هو صاحب النسبة الأعلى والباقي يوزع تناسبياً على المشاركين لتلافي قوانين حظر تشغيل المهاجرين غير الشرعيين، إذاً نحتاج ثقافة جديدة للعمل الجماعي وفريق العمل والتخلي عن فكرة سعودي مقاول وعشرة عمال أجانب.

سينتج من هذه التطور نمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ولكن بشكل مختلف عما نراه الآن، وتغيير هيكلي بحيث سيتقلص نمو القطاعات التي تعتمد على الكثرة العمالية غير المدربة مثل المقاولات وستظهر أنشطة تعتمد على فريق العمل المتجانس مثل التسويق والتعليم والتواصل وكذلك المطاعم وممكن دور الحياكة.

لكن من أجل ذلك لابد من توطين قوانين عادلة للممولين تحفظ أموالهم، وتقييم يمنح الفرصة للمقترضين، وتوطين ثقافة عمل جماعية أساسها التعاون والتنافس.

نقلا عن الرياض