موبايلي.. كَانَ صَرْحًا مِنْ خَيَالٍ فَهَوَى

01/03/2015 18
محمد العنقري

يبدو أن مسلسل الأخبار السيئة لشركة اتحاد الاتصالات موبايلي لا نهاية قريبة له فمنذ ظهور الخلل بالقوائم في إعلان نتائج الربع الثالث للعام المالي المنتهي 2014م والتدهور لم يتوقف في إعلانات الشركة وإفصاحاتها المتلاحقة إلى أن ظهرت النتائج النهائية للعام المالي والربع الرابع منه لتظهر تغيراً كبيراً حول الشركة من تحقيق أرباح بمقدار 220 مليون ريال عن كامل السنة المالية حسب تقرير النتائج الأولية إلى تحقيق خسائر بمقدار 913 مليون ريال مما أدى لإعلان من هيئة السوق المالية تضمن إيقاف لتداول سهم الشركة لحين ظهور توضيحات منها حول أسباب التحول لخسارة كبيرة بالإضافة لطلب الهيئة لإيضاحات جوهرية ذات علاقة وستقرر بعدها هيئة السوق تاريخ عودة السهم للتداول إذا كانت الإيضاحات من موبايلي وافية.

وتبع ذلك قرار من هيئة السوق المالية شكل مفاجأة كبيرة بمضمونه حيث نص الإعلان على (إلحاقاً لإعلان الهيئة بتاريخ 10-1-1436هـ الموافق 3-11-2014م في شأن البدء باتخاذ الإجراءات اللازمة للتحقق من مدى وجود مخالفات من قبل شركة اتحاد الاتصالات (موبايلي) لنظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية، وحيث انتهت المرحلة الأولية من تلك الإجراءات إلى الاشتباه في مخالفة المادتين (49) و(50) من نظام السوق المالية والفقرة (ج) من المادة (42) من قواعد التسجيل والإدراج، وانطلاقاً من مسؤولية الهيئة النظامية في حماية المواطنين والمستثمرين وتحديد المسؤولين عن ارتكاب تلك المخالفات، فقد أصدر مجلس الهيئة قراره بتاريخ 7-5-1436هـ الموافق 26-2-2015م المتضمن تكليف فريق عمل متخصص يتولى فحص القوائم المالية للشركة وجميع الوثائق الأخرى ذات العلاقة وزيارة مكاتب الشركة والاستماع لأقوال جميع الأطراف المعنية والحصول على نسخ من المستندات التي يرى الفريق أهميتها وذلك تمهيداً لاستكمال الإجراءات النظامية اللازمة).

وإذا دققنا بالبيان الصادر من هيئة السوق نلحظ بأنها قامت بداية بالتحقق فيما إذا كان الخلل بالقوائم المالية يرقى لمستوى المخالفات التي تضمنتها لوائح وأنظمة الهيئة وهو ما يتضح بأن الهيئة وجدت مخالفات لبعض أنظمتها لتنتقل إلى مرحلة التحقق المباشر والوقوف على نوعية المخالفات للتوصل إلى حجمها وأثرها والمتسببين فيها ولفهم أوسع لمضمون المواد التي ذكرت بإعلان الهيئة فإن الاطلاع عليها سيوضح للقارئ الكريم ولمساهمي الشركة ماهي هذه المواد وعلى ماذا تركز.

فالمادتان 49 و50 من لوائح الهيئة تندرجان تحت الفصل الثامن والمتعلق «بالاحتيال والتداول بناء على معلومات داخلية».. فالمادة 49 تنص على التحقق في عمليات التداول التي يكون فيها غش وتدليس والتأثير على حركة سعر السهم مما يعني أن الهيئة ستراجع عمليات التداول على السهم من قبل ظهور المشكلة قبل أكثر من 5 أشهر على الأقل وذلك لكشف أي تأثيرات حدثت بالسهم أدت لارتفاعه أو انخفاضه وكذلك طرق بيع وشراء السهم التي تمت وهل كانت تحمل أي مخالفات أدت لإعطاء صورة مضللة عن التداولات والتي قد يحدث من خلالها عمليات تصريف عند مستويات مرتفعة دون أن يتأثر سعر السهم من خلال طريقة متوازنة بالأوامر لا تؤثر على عمليات البيوع الكبيرة وبذلك سينكشف إذا ما كان شخص أو أكثر قام ببيع أسهمه بكميات كبيرة عندما كان السعر مرتفعاً.

أما المادة 50 فهي تختص بمعرفة من استفاد من أي معلومات داخلية بالشركة لم تعلن للعموم وتحمل تأثيراً جوهرياً على سعر السهم وهذا يعني أن الهيئة ستكتشف من باع أو اشترى بناء على معلومات داخلية سواء كان له ارتباط عمل أو علاقة تعاقدية مع الشركة أو قرابة مع أحد العاملين بالشركة وبربط المادتين المذكورتين ببعض سيتضح حجم المخالفات ونوعيتها إذا تم التثبت منها وسيحدد بعدها من ارتكب أي مخالفات وفقاً لما نصت عليه المادتان.

أما الفقرة ج من المادة 42 فهي تندرج تحت الفصل السابع الخاص «بالافصاح» والتي سيتم من خلالها التحقق من قوائم الشركة المالية والتدقيق المحاسبي فيها منذ سنوات قد تمتد لبداية الإدراج وليس لفترة قصيرة وهذا بدوره سيكشف الكثير من المعلومات المالية والمحاسبية للشركة والتي ستوسع من التحقيقات وتوسيع توجيه الاتهامات بأي مخالفات قد تظهر لجهات مختصة بمراجعة قوائم الشركة وأي من موظفين ساهموا بالخلل أو المخالفات وهو ما يظهره أيضاً إعلان الهيئة بأنها ستزور فروع الشركة وتسأل كل من له علاقة بأي عمل يرتبط بالأعمال المالية والمراجعة الداخلية حتى تكتمل الصورة الكاملة عن واقع الشركة ومخالفاتها والتثبت منها.

إلا أن كل هذه التطورات المؤسفة ستترك أثراً سلبياً كبيراً على الشركة لفترة لن تكون قصيرة وهو تحدٍّ كبير يواجه رئيس مجلس الإدارة الجديد وهو محافظ المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بحكم أنها من كبار الملاك بنسبة تصل إلى 11.5 بالمئة وكون التأمينات الاجتماعية مستثمراً إستراتيجياً فإن ضبط أوضاع الشركة واحتواء مشاكلها وتداعيات الخلل المالي والمخالفات إذا ثبتت سيكون معالجته صعباً، لكن سيشكل دور الرئاسة الجديدة عامل دعم للوصول إلى حلول لها، ولا يعني ذلك التخلص من سلبيات المشاكل سريعا إنما هي بداية لبوادر الحلول مع التغييرات بالإدارة التنفيذية للشركة وتدخل من المالك الأكبر بالشركة اتصالات الإمارات التي تمتلك 27 بالمئة.

لكن الأسئلة التي تواجه الإدارة الجديدة كبيرة وعديدة والتي لا تقف عند حد معين فأولها هل تم تنظيف القوائم المالية بشكل نهائي وأن ما سيظهر بالنتائج القادمة يمثل مرحلة واقعية لأعمال الشركة بدون أي تبعات أو خلل لمرحلة سابقة حتى لو امتدت لسنوات قديمة؟.

هل ستتأثر أعمال الشركة التشغيلية والمستوى الفني لها وتوسعاتها المستقبلية والتي تتطلب انفاقاً كبيراً يعتمد على الاقتراض بشكل كبير خصوصاً أن العلاقة مع البنوك المقرضة للشركة لم تعد على ما يرام وجدولة ديونها من جديد لن تكون بنفس الأريحية السابقة لا من حيث الشروط ولا تكاليف الدين؟.

وهل سيتأثر الهيكل التنظيمي للشركة بما يخص إدارتها وموظفيها فقد يتضح مزيد من الخلل فيه مما قد يستدعي إعادة بناءه أو ترميمه من جديد وقد تفقد الشركة بذلك خبرات مهمة فيها؟.. كما أن السؤال الذي سيطرح نفسه في حال اكتشاف أن الخلل بالقوائم المالية ممتد لسنوات سابقة من اين كانت الشركة توزع الأرباح الضخمة التي أقرتها سابقاً فقد وزعت موبايلي لمن استثمر فيها من عام 2007 إلى منتصف العام 2014 ما يفوق 14 مليار ريال أي قرابة ضعف رأس مالها؟.. فالشركة في بيانات لمجلس إدارتها ضمن تقاريره السابقة كان يتم التأكيد فيها أن التوزيعات القوية ستستمر وتتنامى مما أعطى ثقة بأنها تعد استثماراً ذهبياً وهو ما حدث بالفعل بعد التحول لتوزيعات فصلية وبعائد كبير وصل إلى 5 ريالات عن كل سهم في عام 2013 م وفي العام الماضي كان 2.5 ريال لكنه عن الربعين الأول والثاني فقط لأن التوزيعات بعدها توقفت مع ظهور إشكاليات القوائم المالية مما أوحى بأن الشركة لديها مشكلة سيولة.

وهنا يطرح تساؤل آخر مهم فالشركة حققت خسائر بنهاية العام 2014 بينما قامت بتوزيع أرباح عن النصف الأول بمقدار فاق 1.9 مليار ريال وهو ما يثير التعجب بكل ما حدث بالشركة في العام المالي المنتهي.؟

فقدت موبايلي من قيمتها السوقية إلى إقفال سهمها عند حوالي 35 ريالاً ما يقارب 48 مليار ريال من أعلى قيمة وصلتها عند 75 مليار ريال عندما وصل سعر السهم إلى 98.5 ريالاً كأعلى رقم سجله منذ تأسيس الشركة لكن ما فقد أكثر فيها هو الثقة بالشركة وهو ما يتطلب جهداً ضخماً حتى تستعاد الثقة بالشركة وسهمها فتراجع سعر السهم لم يأتي من تصحيح بالسوق المالي وأثر على كل أسهم الشركات المدرجة فقط بل هو تراجع يخص البيئة الداخلية للشركة وما ظهر من خلل ستكشف تحقيقات هيئة السوق المالية أي نوع المخالفات شابه ومن تسبب به، وبقدر العقوبات التي ستعلن وايضا الطريقة القانونية لتعويض المساهمين الذين تضرروا جراء تلك المخالفات إذا ثبتت وحددت سيكون لكل ذلك الدور الأكبر باستعادة الثقة من عدمها بسهم الشركة التي نتمنى أن تعود أقوى في قطاعها المهم وفي ذهنية المساهمين وهم الأهم.

نقلا عن الجزيرة