هل يصل سعر برميل النفط الى 15 دولار ... من يعلم؟!

25/01/2015 5
عبد الرحمن بسيوني

مع بداية العام الميلادي الجديد 2015 والعالم متابع بإندهاش إنخفاض أسعار النفط وهي تهوي لتسجل أرقاماً جديدة، حيث وصل سعر برميل النفط الخام ألى مايقارب 48 دولار فاقداً بذلك أكثر من 50% من أعلى سعر وصل إليه في العام الماضي.

إختلفت أراء الخبراء والمحللين وتوقعات المستشارين ورجال الاعمال حول إتجاه أسعار النفط، فهناك من يتوقع مزيداً من الهبوط لما دون 20 دولار، وهناك من يرى أن الأسعارسترتفع في حالة موافقة منظمة أوبك على تخفيض الإنتاج مستقبلاً. البعض الأخر يرى أن سعر 100 دولار لبرميل النفط هو شيء من الماضي ولن يتكرر مجدداً، وأخرين يرون عكس ذلك تماماً ويتوقعون عودة إرتفاع أسعار النفط خلال الفترة من 12- 24 شهرا لما فوق 100 دولار. ومع إعلان المملكة العريبة السعودية عن ميزانيتها للعام الحالي 2015 والتوقع بعجز مالي يقدر بمبلغ 38 مليار دولار أثارا جدلاً أخر وهو تنويع مصادر الدخل. فحيث أنه كان من المفترض أن يكون لدى المملكة تنويع في مصادر الدخل حسب الخطط الخمسية لها من سنوات عديدة ماضية. بالإضافة إلى صناديق سيادية تدير الفوائض المالية الحالية في فرص إستثمارية مختلفة لتحقق عوائداً أعلى مما تحققه السندات الإمريكية، التي تعتبرعوائدها ضعيفة مقارنةً مع البدائل الإستثمارية الأخرى أذا ما أخذنا في الأعتبار عامل التضخم والقيمة الزمنية للنقود.

 ولمحاولة فهم وتحليل هذه الأراء في ظل هذه الظروف الجيوسياسية والاقتصادية سألقي الضوءعلى بعض الأسس والقواعد الاقتصادية والمالية التي فرضت قوتها على العالم ومن ثم على المملكة العربية السعودية وهي كالتالي:

-النفط هو سلعة كأي سلعة أخرى يتأثرسعرها بقانون العرض والطلب، وأحد القوانين الرئيسية للعرض والطلب هو عند حدوث زيادة في العرض مع ثبات الطلب أو أنخفاضه يؤدي ذلك إلى إنخفاض السعر وزيادة في الكمية مما ينتج عنه فائضاً في المخزون. فالنفط سلعة عالمية لايستطيع العالم الإنتاج بدونها، لذلك كلما زاد الإنتاج في العالم زاد الطلب على هذه السلعة وكلما إنخفض الإنتاج إنخفض الطلب عليها. ففي سبتمبر 2014 أشار صندوق البنك الدولي الى أن مؤشرات النمو العالمية تواجه ضعفاً ملحوظاً في النمو والإنتاج الذي بدوره سيؤثرعلى الطلب العالمي للنفط. فالدول الصناعية الأوربية مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا تواجه نمواً ضعيفاً بمعدل أقل من 1%، وباقي الدول الاوربية الاخرى كأسبانيا مثلا فهوسلبي (اي أنه لايوجد نمو) واليونان خارج المعادلة لأنها تواجه الأفلاس بسبب ديونها المالية الكبيرة.

ومن جهة أخرى من العالم توقعت الصين التي تعد أحد أكبر الدول الصناعية أن تحقق نمواً أقل 1% مع نهاية عام 2015 مقارنة مع العام الماضي (من 7.5% الى 6.5%). فيما أعلنت اليابان عن تخوفها من دخول اقتصادها في فترة انكماش سوف يؤدي إلى تراجع الطلب لديها على النفط. إضافةً الى هذه العوامل فهناك عامل أخر أكثر أهميةً وهو إكتشاف مزيد من النفط الخام (التقليدي) والنفط الصخري والرملي (الغير تقليديان) في أمريكيا وكندا على التوالي. فالشركات الأمريكية قامت بإكتشاف وإستخراج كميات كبيرة من النفط وبتكلفة أقل وذلك من خلال البحث المتواصل وإستخدام تقنيات متقدمة، مما جعلها تستغني عن جزء من النفط المستورد من دول مثل كندا والمكسيك وفنزويلا. بالإضافة إلى زيادة الانتاج في كل من ليبيا والعراق والجزائر. نتيجةً لكل هذه العوامل أرتفع مخزون الفائض النفطي في السوق العالمي إلى مايقارب 2 مليون برميل يومياً، مما أدى ذلك الى تدهور الأسعار طبقا لقانون العرض والطلب.

 هذه المؤشرات والعوامل كانت تنتظر من الدول المصدرة للنفط عامة ودول منظمة أوبك بوجه الخصوص بإتخاذ قراربخفض الإنتاج لخفض كمية المعروض من براميل النفط والعمل على توازن السوق ودعم الاسعار، لكن أوبك فاجاءت الجميع بقرارها الحاسم بعدم خفض الإنتاج والإستمرارعلى ضخ نفس الكمية من النفط. وكان جواب وزير النفط السعودي معالي الأستاذ علي النعيمي عندما سأله أحد الصحفيين إذا ماتم إتخاذ القرار بتخفيض الإنتاج أم لا، فأجاب لماذا نخفض الإنتاج؟! نعم لماذا نخفض الانتاج. هل من المنطق أن نخفض الإنتاج ونخسر حصة السوق. أيهما أهم، الحفاظ على حصة السوق مع سعر أقل أم خفض الإنتاج وخسارة العملاء وحصة السوق. تخفيض الإنتاج من حصص أعضاء منظمة أوبك فقط سوف يعطي فرصة للمنافسين للأستحواذ عليها. لقد تعلمت المملكة هذه الدرس سابقاً عندما قامت بخفض الإنتاج وأخذت هذه الحمل لتوازن الأسعار مما جعل إنتاجها يتهاوى من 10 ملايين برميل يومياً ليصل إلى أقل من 3 ملايين برميل. لذلك فالمملكة لن تخفض الإنتاج ولو أدى ذلك الى تدهور الأسعار بشكل أكبر مما وصلت إليه ومن يريد أن يخفض الإنتاج فليخفض هو.

حصة السوق هي أحد الاستراتيجيات الإدراية التي تتبنى خفض السعر والحفاظ على الإنتاج أو العرض بنفس الكمية للمحافظة على حصة أكبر في السوق من المنافسين. عند تدهور أسعار منتجا مآ في إحدى الصناعات مثل صناعة النفط حالياً، فإن المؤسسات الحكومية والشركات التي لديها الإدارة والخطة الجيدة والملاءة المالية هي التي تطفو على السطح، أما الشركات الضعيفة مالياً والتي لديها إرتفاع في تكلفة المنتج (تكلفة إستخراج النفط) فهي التي تختفي مع الوقت.

ويكون نجاح هذه المؤسسات الحكومية والشركات القوية أسهل وأفضل سعرياً في ظل غياب بعض المنافسين الذين سوف يواجهون مصاعب مالية تضطرهم مع مرورالوقت الى إعلان الإفلاس والخروج من السوق. وأذا حصل ذلك فإن إرتداد الاسعار وإرتفاعها الى مستوى 70 – 100 دولار لبرميل النفط من 12 الى 24 شهراً هو السينايور الأكثر أحتمالاً.

 -المفأجات مازالت مستمرة نتيجة إنخفاض سعر هذه السلعة الناضبة التي تتحكم في مجريات هذه الدول المصدرة للنفط من حيث الإيرادات والإنفاق من سنة لأخرى. فبالرغم من وجود الخطط لتنويع مصادر الدخل من عام 1980 أي أكثر من 30 عام لكن يبدو أن هذه الخطط مازالت قيد الورق ولم ينفذ منها الا جزءٌ يسير يمثل 10% من الدخل السنوي للمملكة. فمازالت المملكة تعتمد على مايقارب على 90% من إيراداتها على مبيعات النفط، مما دعى بعض الخبراء الماليين ورجال الأعمال وعلى رأسهم سموالأميرالوليد بن طلال بكتابة خطاب موجهه إلى وزير المالية معالي الدكتور إبراهيم العساف يدعو فيه إلى ضرورة إنشاء صندوق سيادي يحقق عوائد أكثر ويكون للأجيال القادمة. وهناك من يطالب بعمل صندوق سيادي أسوةً ببعض الدول التي لديها تجارب ناجحة في إدارة هذه الصناديق وتحقيق عوائد إستثمارية سنوية أكبر مثل النرويج وسنغافورة.

تتمثل أغلب أستثمارات المملكة التي حصلت عليها في السنوات الخمس الماضية من الفوائض المالية في ميزانيتها نتيجة إرتفاع أسعار النفط، ويتم إستثمار معظم هذه الفوائض في السندات الامريكية بعوائد سنوية تتختلف من 2% الى 4%. الإستثمار هو علم كأحد العلوم الأخرى المبنية على أسس وقوانين، فأحد أهم قوانين الإستثمارهو أنه كلما زاد العائد على الإستثمار زادت المخاطر. لذلك فبالرغم من إنخفاض عوائد السندات المالية، إلا أنها تحفظ رأس المال وتعتبر سريعة السيولة عند الطواريء. لذلك عند تذبذب الأسواق وإرتفاع نسب الفائدة فإن المستثمرين وصناديق الإستثمار العالمية يلجأون إالى السندات بإعتبارها الملاذ الأمن لإستثماراتهم.

المملكة مرت بتحديات كثيرة بداءً من حرب الخليج ومن ثم الدخول في عجز مالي ودين عام أثر سلباً على الإنفاق العام وعلى المشاريع  التنموية والخدمات الأجتماعية. فالمملكة ليست مثل النرويج أو سنغافورة، التان أنتهتا من بناء المقومات التنموية الأساسية. فهما تعتبران من النماذج التي يمتثل بها في جميع المجالات من تعليم وصحة وبنية تحتية مثل مشاريع تصريف مياه الأمطار والصرف الصحي والمطارات والقطارات على أفضل المستويات العالمية. فإستثمارها في صناديق سيادية للأجيال القادمة هي عبارة عن فائض لن ولم تحتاجه لأنها أنتهت من كل هذه المقومات التنموية. والتي يفترض أن نكون قد أنتهينا من تنفيذها من سنوات عديدة ماضية بتكلفة أقل وطريقة أسهل، فكلما تأخر الوقت أزدادت تكلفة المشاريع وأزدادت صعوبة تنفيذها. لذلك الإستثمار في سندات خالية المخاطر وسريعة السيولة يوفر النقد ويساعد على التركيز على الإنفاق والبناء والإنتهاء من هذه المشاريع في الوقت المحدد لها لكي يستفيد منها الجيل الحالي والأجيال القادمة.

 أن أفضل إستثمارهوالإستثمارفي تنمية الإنسان وعقل الانسان عن طريق مايعرف اليوم بالإقتصاد المعرفي. الإقتصاد الذي ساهم في ثراء الدول التي لاتملك أياً من الثروات الطبيعية مثل اليابان وكوريا الجنوبية. فتكلفة تصنيع جهاز الأيفون هي تكلفة بسيطة أذا ما قارناها بمعرفة سر تصنيعه. فشركة واحدة مثل آبل (التي بدأت كمنشأة صغيرة) وصلت قيمتها السوقية اليوم 700 مليار دولار، ولديها سيولة نقدية بمقدار 130 مليار دولار أي ما يعادل تقريبا 50% من النفقات المعتمدة بمزانية المملكة على مشاريعها لعام 2015. لذلك يتوجب علينا الإستثمار وتحويل إنتاجنا من برميل النفط الخام الى مواد مشتقة ومصنعة من النفط الخام نفسه، فبرميل النفط مهما إرتفع سعره فستظل قيمته أقل بكثير من جهاز الأيفون.