تجاهلوهم.. ولا تقلقوا

20/01/2015 3
د. فواز العلمي

تجاهلوا رسامي الكاريكاتير أينما كانوا، ولا تقلقوا من رسومهم، وعودوا لسباتكم العميق. 

تجاهلوهم لأن شوكتكم أصبحت اليوم أضعف من ريش النعام، الذي تتوسدون عليه، فانفردتم بجدارة بتصنيف دول العالم الثالث، وحققتم ببراعة تراجعكم على مؤشر التنمية البشرية، وانزلقتم دون هوادة بقشرة موز الربيع العربي، وتألقتم بكل "فخر" و"اعتزاز" على منتديات "تويتر" و"فيسبوك" و"كيك"، فحصدتم بالهاشتاقات والإشاعات ما عجز عن تحقيقه جميع أقرانكم في دول العالم الأول. 

تجاهلوهم ولا تقلقوا من ازدياد عددكم، الذي يقترب اليوم من ملياري نسمة، ويشكل 30% من شعوب القرية الكونية، فهذا يمنحكم المزيد من الأعذار لدى تضارب مواقفكم المصيرية في المنظمات الدولية، ويغنيكم عن بناء مصانع قطع غيار الطائرات المدنية والدبابات والمدرعات الحربية، ويعفيكم من إنتاج الصواريخ عابرة القارات، فأصبحتم بأعدادكم كما قال رسولنا الكريم: "غثاءً كغثاء السيل، لينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن".

تجاهلوهم ولا تقلقوا على ثرواتكم التي حباكم الله بها، والتي تفوق اليوم 52% من خيرات الأرض، وتشمل أكبر البحيرات وأطول الأنهار وأفضل أنواع المعادن والفلزات، فالتف حولكم جحافل المرتزقة الطامعين، لتشجيعكم على استغلال مواردكم والتفريط بمستقبل أجيالكم، فأصبح نصفكم يعاني من الفقر والمرض، وثلثكم من جملة العاطلين، وربعكم من جيل الأميين، وما تبقى منكم يعيش أحلامه، منتظراً تأشيرة الهجرة لبلاد العلمانيين، أو طفرة تنقذه من تداعيات الأسهم وتحايل المضاربين.

تجاهلوهم ولا تقلقوا على فضائحياتكم الإعلامية التي عبثت بسمعتكم وتفوقت بأعدادها على ضعف عدد جامعاتكم، وأربعة أضعاف مراكز أبحاثكم، وعشرة أضعاف مصانع أدويتكم، لتنفرد بابتذال عقولكم، وتتسابق مع الفضائيات العالمية على بث الفرقة والحقد والضغينة بين شعوبكم، فأثلجتم صدور أعدائكم وأضرمتم فتيل العداء بين أقرانكم وطوائفكم.

تجاهلوهم ولا تقلقوا على منظماتكم العربية، التي أضاعت عبر التاريخ فرصة توحيد مواقفكم والدفاع عن مصالحكم، لكثرة انشغالها في تنظيم مؤتمراتكم وصياغة قرارات رفضكم وشجبكم. وهي تفقد اليوم أيضاً فرصة مطالبة الجمعية العامة للأمم المتحدة بتنفيذ قراراتها العديدة النافذة بشأن مناهضة تشويه صورة الأديان وعدم التعرض لرموزها، فكان أولها القرار رقم 60/150 الصادر في 20 يناير 2006 وآخرها القرار رقم 65/224 الصادر في 11 أبريل 2011.

تجاهلوهم ولا تقلقوا على خبرائكم في السياسة الخارجية وفقهائكم في القانون الدولي، الذين أغفلوا نصوص المواد 18 و19 و20، الصادرة عن المعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والتي حثت جميع شعوب العالم على احترام العقائد والأديان، وعدم إثارة الفتن والضغائن، ومناهضة دعوات الكراهية الطائفية والعنصرية الدينية، التي تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف.

وهذا ما شجعكم على الاستمرار في سباتكم العميق، فآثرتم عدم الاحتكام للمعهد الدولي لحقوق الإنسان لتنفيذ الفقرة الثانية من المادة 19 من القانون الدولي، التي تحظر بالقانون الدعاية للحرب والكراهية القومية والعنصرية الدينية، وتشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف، وتطالب الدول باحترام حقوق الآخرين وسمعتهم. 

تجاهلوهم ولا تقلقوا على منظماتكم الحقوقية، التي تعيش في سبات عميق، فأغفلت الاحتكام إلى وثيقة مجلس حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة برقم أ/ه/ر/س/10 وتاريخ 12 مايو 2009، التي أعربت في فقرتها الرابعة عن بالغ قلقها إزاء استمرار الحالات الخطيرة لتعمد استخدام القوالب النمطية للأديان ومعتنقيها وللشخصيات المقدسة في وسائط الإعلام، وبخاصة عندما تتغاضى عنها الحكومات.

وشددت الوثيقة في فقرتيها 14 و15 على ضرورة مكافحة تشويه صورة الأديان والتحريض على الكراهية الدينية عموماً، بما يتفق مع القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، لضمان الاحترام والحماية الكاملَين للأماكن والمواقع والأضرحة والرموز الدينية. 

تجاهلوهم ولا تقلقوا على جامعتكم العربية، التي فشل خبراؤها خلال 60 عاماً في استخدام القرارات الأممية النافذة لإقناع دول القرية الكونية بإصدار قوانين تحريم وتجريم كل من يمارس تشويه صورة الأديان والتعرض لرموزها، أسوة بالقانون الصادر عن الأمم المتحدة برقم 7/60 وتاريخ 26 يناير 2007، الذي يرفض إنكار كلي أو جزئي لوقوع محرقة اليهود كحدث تاريخي، ويُجَّرِمْ كل من يشكك في رواية المحرقة اليهودية (الهولوكست)، أو حتى كل من يحاول كشف حقيقتها. وبموجب هذا القرار قامت فرنسا (التي تدافع عن حرية الرأي)، بملاحقة المفكر الفرنسي "روجيه جارودي" واتهمته بمعاداة السامية بسبب تشكيكه في حدوث المحرقة، وتبعتها دولة السويد (التي تفتخر بحرية الفرد)، بتجريم الكاتب السويدي "رينيه لويس" وسجنه 17 عاماً لتشكيكه برواية المحرقة، ولحقتها بلجيكا (التي تنادي بحرية التعبير)، فاعتقلت الكاتب البلجيكي "سيغفريد فيريبكيه" لأنه عارض تدريس رواية المحرقة في المدارس الأوروبية.

تجاهلوهم ولا تقلقوا على خبراء منظماتكم الإسلامية، المنهمكين منذ نصف قرن على التأكد من إبادة نصف مليون مسلم على يد الحملات الصليبية، ومقتل مليون مسلم على يد المغول، ومقتل وتشريد مليون مسلم أثناء الثورة ضد الدولة العثمانية، وإبادة وتشريد ثلاثة ملايين مسلم أثناء الاستعمار الأوروبي وأكثر من خمسة ملايين مسلم على يد القيصر الروسي، وإبادة أكثر من مليون ونصف مليون مسلم في الصين وفيتنام وكمبوديا وبورما والهند وكشمير، ونصف مليون مسلم في البوسنة، ومائة ألف مسلم في كوسوفو وألبانيا.

تجاهلوا رسامي الكاريكاتير أينما كانوا، وعودوا لسباتكم العميق، ولا تقلقوا، وصدق عمرو بن كلثوم عندما قال في معلقته:

"ألا لا يجهلـن أحـد علينـا    فنجهـل فوق جهل الجاهلينـا".

 

نقلا عن الوطن السعودية