إغلاق المحلات التاسعة مساء خطأ تنموي واقتصادي

15/01/2015 5
م. برجس حمود البرجس

قد يكون أحد الأسباب الهامة وراء قرار إغلاق المحلات التاسعة مساء هو محاولة إغراء السيدات وعوائلهن الذين يمانعون بقائهن إلى منتصف الليل بالعمل في المحلات في محاولة لتحسين أرقام البطالة خصوصاً «البطالة النسائية» التي أصبحت الأقل بالعالم حسب تقرير البنك الدولي عند مستوى نسبي 33 في المئة.

طبعاً البطالة النسائية بالمملكة أسوأ من ذلك بكثير ولكن الآليات التي تُستخدم لا تنظر لجميع منتسبات «حافز» بأنواعه محسوبات ضمن البطالة وهناك الكثير تم رفضهن لأسباب غير معروفة أو غير مقنعة، فنحن هنا ننظر فقط للأرقام المحّسنة والمعتمدة رسمياً والتي بها وصلت المملكة الأسوأ عالمياً في البطالة النسائية.

قبل الخوض في التتبعات الاقتصادية في الموضوع، نذّكر أن القرار لم يأت بناء على دراسات اجتماعية تخصصية ولم نشاهد أي تقارير بذلك بل إن وزارة العمل أتت به كمخرج في اعتقاد أنه سيساهم بحل مشكلة البطالة التي لم تحسن التعامل معها.

لا نرى حرص الوزارات على تطبيق أمور بقت في أروقتها سنوات طويلة بنفس الحرص على ملف «إغلاق المحلات التاسعة مساء»، فملف الجمعيات التعاونية الذي يفترض أن يحارب ارتفاع الأسعار تم إذابته بعد أن طال انتظاره في اللجان واستبدل بتراخيص فردية لا تفي بالغرض عن تأسيس سلسلة من الجمعيات ذات قوة شرائية وتنافسية. وكذلك ملف زيادة رواتب المتقاعدين وملف التأمين الطبي وبقية الملفات.

أما من الناحية الاقتصادية فهناك تداعيات ستنعكس على القرار وسيدفع ثمنها المواطن، فلا يعلم متخذي القرار (ولا يأبهوا) بأن أكثر من 30 في المئة من مبيعات المحلات هي (غير مخطط لها) أي أن السيدة تذهب للمول لشراء ملابس لأطفالها فتجد عرضا لحاجيات لم تخطط لها فتشتريها، هذا ينقص مع نقص ساعات العمل ولن يعوّضه فتح المحلات وقت الظهيرة، فبالتالي سيرفع التاجر الأسعار بحوالي 50 في المئة تعويضا عن ذلك فالوزارات لا تضمن للمحلات خفض أسعار إيجارها التي اعتمدت عندما كان ساعات العمل إلى منتصف الليل.

وأيضاً ارتفاع أجور العمالة بعد سعودتها ورفع عدد الموظفات لرفع الإنتاجية سيرفع من تكلفة السلع، فبالتأكيد التاجر سيحّمل ارتفاع التكلفة على الزبون (المواطن). وبالنظر إلى قطاع «تجارة التجزئة والجملة» فنجد أن عدد العاملين السعوديين 356 ألفًا أو 22 في المئة من عدد الوافدين في نفس القطاع (1.58 مليون)، فيما تمثِّل نسبة مجموع رواتب السعوديين من المجموع الكلي للرواتب في القطاع 42 في المئة، فبكل تأكيد هناك تأثير على تكلفة السلع في نهاية المطاف.

بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الوظائف تكميلية وليست تطويرية، وهي طريقة للتخلص من البطالة وليس الاستفادة من كوادر الوطن البشرية للمساهمة بتطوير تنمية واقتصاد الدولة، استُخدم عوامل ثانوية كـ الحد من العمالة الوافدة وتحويلاتهم، وتُرك الأساس وهو التطور والتنمية.

ومع هذا فلن تنخفض نسبة البطالة حيث أن سوق العمل يدخله أكثر من 400 ألف شخص سنوياً، فلدينا أكثر من 3 مليون طالب وطالبة أعمارهم فوق سن 15 يدرسون الثانوية والجامعة، بالإضافة إلى العاطلين عن العمل وآخرون احتسبوا خارج سوق العمل دون وجود آليات توّضح تفاصيلهم.

وحسب التقرير الإحصائي الأخير لمصلحة الإحصاءات العامة ووزارة العمل، ارتفع عدد الإناث العاطلات في المملكة بمقدار 36 ألف امرأة أي بنسبة 10 في المئة خلال عام، مع أننا نتغنى بانخفاض نسبة البطالة النسائية، النسبة تنخفض والعدد يرتفع، حيث وصل عدد العاطلات عن العمل إلى 397 ألف امرأة حسب الكتاب الإحصائي لمركز الإحصاءات العامة والمعلومات، وتقارير وزارة العمل، وهذا الرقم يسجل ازديادًا سنويًا.

أخيراً، تحدث الكثير عن «إغلاق المحلات التاسعة مساء» من عدة جوانب خصوصاً الجوانب الاجتماعية، البعض أيد والبعض عارض، ولكن واضح أن الأسواق ستغلق مع المغرب حيث أن الأوقات بين الصلوات ضيقة وحتى وقت العصر ضيق، وكما هو متوقع لن يفيد في القضاء على البطالة فخلال سنة أو اثنتان سترتفع البطالة إلى أكثر من استيعاب السوق لهؤلاء النسوة. ليس أمامنا إلا بناء الأعمال بالطريقة السليمة وتطوير الاستراتيجيات للمضي قدما في عجلة التنمية، فالتراكم والحلول القصيرة ليست أكثر من تأجيل للمشكلة على حساب تفخيمها وتصعيبها.

 

نقلا عن الجزيرة