دور الهيئة في القضاء على التداول بناء على معلومات داخلية

11/01/2015 17
صالح على الصبي

تحرص هيئة السوق المالية في مواقف كثيرة على ربط قراراتها و أنظمتها بأحد أهدافها الأساسية وهو حماية المواطنين والمستثمرين في الأوراق المالية من الممارسات و السلوكيات غير العادلة أو غير السليمة أو التي تنطوي على احتيال أو غش أو تدليس أو تلاعب, مع العمل على تحقيق العدالة و الشفافية في معاملات الأوراق المالية؛ و على هذا نصت المادة الخامسة من نظام السوق المالية. و قد بينت الهيئة هذه السلوكيات في لائحة سلوكيات السوق المنشورة في 2004 و ما تلاها من تعديلات و كتيبات تبين أمثلة للسلوكيات المخالفة لنظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية, هادفة من ذلك إلى منع التلاعب في السوق وحماية المستثمرين.

كما  تؤكد هيئة السوق المالية أن التداول بناءً على معلومات داخلية في الشركات المدرجة في السوق المالية يُعدّ عملاً محظوراً، وفقاً لنظام السوق المالية واللوائح التنفيذية الصادرة عن الهيئة.

حيث تقضي المادة (50) من نظام السوق المالية بأنه "يُحظر على أي شخص يحصل بحكم علاقة عائلية أو علاقة عمل أو علاقة تعاقدية على معلومات داخلية (يشار إليه بالشخص المطلع) أن يتداول بطريق مباشر أو غير مباشر الورقة المالية التي تتعلق بها هذه المعلومات، أو أن يفصح عن هذه المعلومات لشخص آخر توقعا منه أن يقوم ذلك الشخص الآخر بتداول تلك الورقة المالية".

ويُقصد بالمعلومات الداخلية المعلومات التي يحصل عليها الشخص المطلع، والتي لا تكون متوافرة لعموم الجمهور، ولم يتم الإعلان عنها، والتي يدرك الشخص العادي، بالنظر إلى طبيعة ومحتوى تلك المعلومات، أن إعلانها وتوافرها سيؤثر تأثيرا جوهرياً في سعر الورقة المالية أو قيمتها التي تتعلق بها هذه المعلومات، ويعلم الشخص المطلع أنها غير متوافرة عموماً وأنها لو توافرت لأثرت في سعر الورقة المالية أو قيمتها تأثيراً جوهرياً.

وتنص المادة أيضاً على أنه "يُحظر على أي شخص شراء أو بيع ورقة مالية بناءً على معلومات حصل عليها من شخص مطلع وهو يعلم أن هذا الشخص قد خالف بإفشائه المعلومات الداخلية المتعلقة بالورقة".

و رغم سهولة حصر مراحل إنتقال الخبر بين الشركة مصدر الخبر و وسيلة النقل المستخدمة و الجهة المسؤولة عن استقبال و نشر الأخبار و حتى وصولها إلى عموم المستثمرين و معرفة مكامن الخلل في هذه المنظومة, أو حتى تبني الهيئة لبناء القدرات التقنية القادرة على ضبط مثل هذه السلوكيات عن طريق تتبع الأخبار في مواقع التواصل الإجتماعي و المنتديات و غيرها من منصات التراسل و ربطها بتذبذب الأسهم و الأخبار المعلنة, و من ثم مراجعة هوية و عمليات المتداولين مع هوية متناقلي هذه الأخبار في المواقع المختلفة. و ما يثير الإستغراب هو أن الهيئة لا تبدي أي نوع من القلق من هذه السلوكيات و لا يتم الإعلان عنها بشكل دوري, مع تكرر مثل هذه السلوكيات في أوقات مختلفة.

فالمتابع لأحوال سوق المال يكاد يتعجب من العديد من السلوكيات الغريبة التي حدثت و لاتزال تحدث بشكل متكرر دون أي إيضاح لموقف الهيئة منها, خصوصاً حالات البيع و الشراء التي تحصل بشكل مباشر قبل الإعلان بساعات عن أخبار جوهرية تطابق ما نص عليه النظام من أثر على التداول و لعل آخرها ما حدث في 23-12-2014 من ارتفاع للنسبة القصوى لأحد الأسهم في قطاع التأمين مع ورود الكثير من التوصيات خلال مواقع التواصل الإجتماعي خلال منتصف جلسة التداول, و بإنتهاء الجلسة يتم الإعلان عن خبر جوهري للسهم المعني.
و لعل من المناسب إيراد دراسة تحليلية حديثة نشراتها رويترز في سبتمبر الماضي عن عقوبات التداول بناء على معلومات داخلية في البورصة الأمريكية. حيث أشار التحليل الذي شمل 207 حكماً بالعقوبة في قضايا تداول بناء على معلومات داخلية, إلى أنه في السنوات الخمس المنتهية في ديسمبر 2013 تلقى المدانون بهذه التهمة عقوبات بلغ متوسطها 17.3 شهر ارتفاعا من 13.1 شهر في السنوات الخمس السابقة بزيادة 31.8 بالمئة في مدة السجن, غير تحمل التبعات المالية لهذه القضايا.

السوق المالية مقبلة على تحدٍ كبير لقدرات الجهات التنظيمية على ضبط سلوك المتداولين, و توفير بيئة إستثمارية آمنة و جاذبة للسيولة. و تكرار مثل هذه السلوكيات مع التركيز الإعلامي على تبيين مخالفتها للأنظمة, و استمرار السكوت عن مرتكبيها لا يعطي إنبطاعاً جيداً عن السوق و لا عن الجهات المسؤولة عن تحقيق عدالة التعاملات فيه.