موازنة.. شد الحزام

29/12/2014 1
جمال بنون

حدث ما كنا نخشاه، توابع تراجع أسعار النفط ظهرت في الموازنة التي أعلنتها السعودية، فقد سجلت عجزاً بـ145 بليون ريال، وبحسب البيان الملكي الصادر بهذا الخصوص، يغطى العجز من حساب احتياطي الدولة أو الاقتراض.

وعلى رغم كل المؤشرات بتأثر الاقتصاد السعودي من تراجع أسعار النفط، إلا أن المسؤولين الحكوميين كانوا دائماً يتحدثون بإيجابية، إلى أنْ شاهدنا ما حدث في سوق الأسهم، التي تهاوت بشكل لافت خلال الأسابيع الماضية، وسجلت خسائر تتجاوز 160 بليون ريال.

تقرير مؤسسة النقد كان واضحاً بخصوص تراجع فوائض الميزان التجاري خلال العام الماضي، والذي سجل انخفاضاً بنحو 6 في المئة، وعزا التقرير هذا التراجع إلى انخفاض الفوائض؛ بسبب انخفاض الصادرات النفطية.

هذا يعني أن الدَّين العام قد يصعد مرة أخرى، إذا لم تبحث الدولة عن أساليب أخرى لمواردها إلى جانب النفط، فإن بقاء الدَّين العام على حاله سيسبب إشكالية في المستقبل.

أوضاع أسعار النفط من الواضح أنها أخذت منحى آخر، فسعر 100 دولار للبرميل لن يعود قريباً، وربما ليس قبل خمسة أعوام، فالأوضاع السياسية فرضت نمطاً جديداً في التعامل مع النفط، ودخلت فيها المصالح السياسية والتكتلات والتحالفات لمصالح القوى، والضعيف هو الذي سيخرج من السوق، والقوة في عالم الاقتصاد ليس أن تملك مالاً، وإنما أن يكون لديك تعدد في المداخيل، ولا تعتمد على سلعة واحدة فقط.

وحديث وزير المالية السعودي ووزراء التخطيط والبترول، حينما يصرحون بأن الاقتصاد السعودي هو أقوى اقتصاد عربي، صحيح أقوى اقتصاد من حيث عوائده المرتفعة من النفط، وليس بتعدد قنواته الاستثمارية، رد الفعل جاء سريعاً لتراجع أسعار النفط، وانعكس سلباً في إعلان الموازنة.

الوزير العساف حينما تقرأ له في الصحف المحلية تصريحاً، تجد كلاماً منمقاً وملمعاً، وحينما يصرح إلى الصحف الأجنبية يقول كلاماً آخراً في ما يتعلق بتغطية العجز في الموازنة.

إذ قال لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية: «إن الدولة قد تلجأ إلى خفض الأجور والرواتب ووقف البدلات؛ لتغطية هذا العجز».

ويبدو أن مكتب الوزير استدرك أبعاد هذا التصريح، وقال مصدر مسؤول أمس إنه «لا صحة - مطلقاً - لما يتداوله البعض في مواقع التواصل الاجتماعي من أن الحكومة تحاول تقليص الرواتب والأجور والبدلات»، مع أن تصريح تقليص الرواتب نشر في الصحف الخارجية، وتم تداوله على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، وليست إشاعة، بل هي تصريحات صدرت من وزير المالية، فلماذا لم ينفي بيان «المالية» تصريحات الوزير للصحيفة الأميركية!

على العموم خبر النفي يثلج صدر السعوديين، إلا أنهم سيبقون متخوفين أو كما يقول المثل المحلي «حيفضل الفار يلعب في عبي».

إضافة إلى ذلك ما مصير تلك المشاريع التي سُحبت من المقاولين أو تعثرت؟ فبحسب الإحصاءات هناك أكثر من 4 آلاف مشروع متعثر، هنا نسأل وزير المالية: أليست هذه مشاريع اعتُمدت مبالغها؟ إذاً كيف يُتعامَل معها في مثل هذه الحال؟

نتيجة تعثر المشاريع وسحبها أصبحت لدينا مشاريع متوقفة تراكمياً، فهذا يعني أننا نحتاج إلى أعوام طويلة حتى ننتهي من تلك المشاريع التي اعتمدت قبل أعوام. نأمل أن نجد من وزير المالية جواباً شافياً وصريحاً: ما مصير هذه المبالغ التي تخرج تحت بند المشاريع وإنما تضل طريقها وتتعثر؟

هل تحدث أحد عن المشاريع التي ظهرت على السطح أنها متعثرة؟ تلك التي نشرتها صحيفة «الاقتصادية» الأسبوع الماضي عن أكبر مختبر وطني اعتمد له 230 مليون ريال، وتعاقب عليه أربعة وزراء صحة، وفي الأخير تحول إلى ملجأ للعمالة المخالفة والكلاب الضالة، وحتى الآن المشروع لم يرَ النور!

هذا يعني أن عمر المشروع أكثر من 25 عاماً! هل يعقل أن تبقى مشاريع تهم المواطنين كل هذه الأعوام معلقة، ولا أحد يعلم أو يعرف شيئاً عنها؟ حتى إذا افترضنا أن هناك مخالفات في المقاول أو في التنفيذ، إلى هذا الحد من البيروقراطية تمارس المشاريع المهمة للمواطنين، وليس مهماً أن ينتهي في وقته، معظم المشاريع التي توقفت أو تلك التي لم تنجز، يعود سببها إلى أن رؤية المسؤولين في وزارة المالية.

ليس مهماً أن ينجز المشروع بقدر ما يهم أن يبقى المال داخل المؤسسة الحكومية، أما المواطن فهو آخر اهتمامات الوزراء والمسؤولين.

مسكين هذا المواطن، حينما كان سعر برميل النفط بـ100 دولار وأكثر كان يشكو من ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية، ويشكو من التضخم، والآن حينما انخفضت أسعار النفط، من جديد يتلقى ضربات على رأسه، وحتى الآن -ربما- يعيش في غيبوبة؛ لأنه لا يعلم ما الذي ينتظره من مفاجآت: هل سترتفع رسوم الكهرباء ورسوم الماء؟ هل سيدفع أجور الصرف الصحي؟ هل سترتفع رسوم الدراسة في الجامعات الحكومية؟ هل ستفرض رسوم للسير على الشوارع المتهالكة؟

بصراحة، لا أريد أن أرسم صورة سوداء، وإنما يجب على المسؤول أن يخرج ويوضح للناس ما التغييرات وما متطلبات المرحلة المقبلة؟ أما أن يبقى هكذا يوزع الابتسامات على وسائل الإعلام فهذا لا يجدي.

الناس تريد أن تطمئن على عيشها، ورزقها ولأبنائها وبيتها، وحرب النفط التي دخلت منذ العام الماضي ستمتد وتتغير طرق الحرب، طالما أن المنطقة دخلت في تحالفات لا استعراض للقوة.

يتطلب منا أن نعيد رؤيتنا لاقتصادنا من حيث تنوع الدخل، واعتمادنا على النفط أوصلنا إلى أول محطة اختبار، إما أن نستطيع التكيف معه أو نستعد لشد الحزام.

نقلا عن الحياة