خرافة «المصرفية الإسلامية»

21/10/2014 76
د. عبدالرحمن محمد السلطان

ما يسمى بالمصرفية الإسلامية لا تحقق أياً من مقاصد الشريعة في تحريم الربا ولا تعدو أن تكون عملية شكلية لا تغير أي شيء في طبيعة العلاقة بين المقرض والمقترض، بل قد تكون حتى أكثر اجحافاً في حق المقترض من المصرفية التقليدية، باعتبار أنها تتصف غالباً بارتفاع معدل الفائدة الذي يتحمله المقترض مقارنة بالمعدل الذي يمكن أن يترتب على قرض تقليدي.

وعِظَم وعيد أكل الربا في القرآن الكريم يجعل من قبيل الاستخفاف بالعقول وبالشريعة أن يدعي أحد أن إقراض البنك مبلغا نقديا بشكل مباشر رباً محرم وواحدة من أعظم الكبائر في الإسلام، أما إن أدخلت في عملية الاقتراض شراء كمية حديد يبيعها عليك البنك ثم يعيد بيعها ويودع فرق السعر في حسابك تصبح العملية مباحة محققة لكل مقاصد الشريعة من تحريم الربا، تجنبنا كل ما يترتب على أكل الربا من وعيد وإثم.

ولكي ندرك حجم التضليل الذي يمارس في مثل هذه المقولة فما علينا إلا أن نتساءل عن أي علة من علل تحريم الربا يمكن تفاديها من خلال هذه العملية الشكلية.

فهل تمت من خلال هذه المصرفية إزالة استغلال الغني لعوز المحتاج وتحميله زيادة في الثمن مقابل تأجيل الوفاء دون أي مشاركة له في المخاطر؟

وهل تم من خلال هذه العملية الشكلية تغيير طبيعة الإقراض بوصفه عملية يُحقق من خلالها المقرض ربحا دون جهد، فيصبح بالتالي اقل رغبة في استثمار مدخراته في أنشطة منتجة؟ وهل أسهمت هذه المصرفية في حل ما يترتب على الفوائد الربوية من انقطاع للمعروف بين الناس والذي يتحقق بالإقراض الحسن الذي يستهدف مساعدة المحتاجين دون أدنى منفعة للمقرض؟

ويمكننا وضع قائمة طويلة بكل ما يمكن اعتباره حكمة من حكم تحريم الربا وسنجد أن أداء ما يسمى بالمصرفية الإسلامية لا يختلف مطلقاً عن أداء المصرفية التقليدية فيها جميعا، بل إنها قد تكون حتى أشد سوءًا من المصرفية التقليدية في كل ذلك.

فاستغلال عواطف المقترضين وحرصهم على تفادي المعاملات الربوية مكن البنوك من فرض معدلات فائدة تزيد كثيراً عن معدلات الفائدة على القروض التقليدية، كما أن الرسوم الإضافية التي يتحملها المقترض والخسائر التي يتكبدها بحجة تصريف البنك للبضاعة بسعر أقل من السعر الذي دفعه المقترض ثمناً لها تزيد كثيراً في معدل الفائدة الفعلي الذي يتحمله المقترض.

من ثم، فإن ما يسمى بالمصرفية الإسلامية لا تمثل حلاً لمشكلة الربا كونها لم تصل إلى حلول تتفادى علل تحريمه، وتعاملت مع آلية الاقراض فقط من خلال عمليات ذات طبيعة تحايلية التفافية لا أكثر.

وكل الحديث عن أن هناك بنوكاً ربوية وأخرى إسلامية، وفق معايير الممارسات الحالية للمصرفية الإسلامية، هو استخفاف بالعقول وإساءة للشريعة، لتحقيق زيادة هائلة في الطلب على خدماتها وفي كلفتها على المقترضين، نتج عنه بالضرورة زيادة كبيرة في أعباء المقترضين وسهل عملية استغلالهم من قبل البنوك، فتوسع الإقراض الشخصي بشكل غير مسئول ولا مبرر، بحيث أصبح الآن يشكل عبئا ماليا هائلا على معظم أفراد المجتمع.

نقلا عن الجزيرة