الفرق بين سوق المراهنات وسوق الأسهم

14/10/2014 1
د. إحسان بوحليقة

لا أحد يستطيع إيقاف أسواق المراهنات، فهي تصعد وتهبط بلا ضابط، فأساسها تخمينات لا ترتبط -بالضرورة- بمنطق؛ فكل يراهن كما يحلو له. أما أسواق المال فالإيقاف لها بالمرصاد عند خروج تعاملاتها عن المقبول، فمنطق «كما يحلو له» ليس مقبولاً في تداولات سوق الأسهم لاعتبارين اثنين:

أن السوق تخضع لضوابط ومعايير نافذة، وأن تتابع التعاملات فيها يجب ان يُرصد عن كثب نوعاً وكماً، إما لكونها مُبرمجة أو لأنها تتبع نهج القطيع المنقاد؛ بمعنى أن تراجعاً قد يؤدي لتراجعٍ أكبر بسبب كثافة الصفقات، فتنهار السوق تحت وطأة التتابع والتداعي، وهذا مآل لا يجب السماح بوقوعه.

فالأسواق المالية توقف التعامل بورقة مالية (سهم لشركة مدرجة) لاعتبارات عدة؛ فقد يمكث إيقاف التعامل لدقائق بسبب أن الشركة المُصدرة للسهم لديها خبر جوهري ستعلنه مما قد يتطلب من المتعاملين –بعد سماع الخبر- تعديل قرارات تداولهم لذلك السهم، والنوع الآخر لإيقاف التعامل المؤقت أن الورقة المالية قد فقدت جدارتها للإدراج نتيجة لتغيير سلبي حدث في قيم أحد المعايير، والسبب الثالث للإيقاف أن قيمة الورقة المالية تتعرض خلال جلسة التعامل لتغيير سريع في القيمة (هبوطاً أو صعوداً) بما يتجاوز النسبة المئوية المسموح لقيمة السهم التذبذب ضمنها.

لكن متى توقف السوق المالية التداول في بورصة أو بورصات تحت ولايتها؟

في سوق نيويورك تحدد ثلاثة مستويات لإيقاف السوق في حال فقدان المؤشر لعدد معين من النقاط، بما يوازي هبوطاً قدره 7 بالمائة و13 بالمائة و20 بالمائة للمستوى الأول والثاني والثالث على التوالي.

ولا يعمر الإيقاف للمستويين الأول والثاني سوى 15 دقيقة إلا إذا سرى الايقاف في النصف الساعة الأخيرة من جلسة التعامل، فيما يستوجب المستوى الثالث إيقافاً لما تبقى من جلسة التعامل.

ويلاحظ في السرد أعلاه أن إيقاف السوق ليس قراراً تجتمع لاتخاذه لجان ومجالس وتنفض، بل هو سياسة مقرة تنفذ من خلال إجراءات تطبق آلياً في حال تحقق قراءات معينة لـ «علامات حيوية» محددة لورقة مالية بعينها أو لمؤشر البورصة ككل.

وهكذا يمكن أن يوقف التعامل في ساعة الغداء، أو أثناء سفر الرؤساء المؤثرين في إجازات أو رحلات عمل، أو ربما وهم في مكاتبهم يعملون بصورة اعتيادية، فالكمبيوتر هو من يحسب وهو من ينفذ القرار، لاحظوا ينفذ القرار ولا يقرر.

ولماذا يُترك الأمر للكمبيوتر لينفذ قرار الإيقاف؟

السبب أن أصحاب الرأي والخبرة والصلاحية وضعوا سياسة، وقرروا اتخاذ إجراءات محددة، وقرروا أن تنفذ تلك الإجراءات يتطلب صرامة ودقة وعدم تسويف أو تأخير –في حال انطباق الاشتراطات- ولا حتى ثانية واحدة، ولذا بُرمجت السياسة واشتراطاتها ومعاييرها وإجراءاتها رقمياً وأودعت الكمبيوتر مع تعليمات واضحة وتفصيلية ومحددة، فأخذ يعالجها دون أن يغمض له جفن، فيما أصحاب القرار في البورصة والسوق المالية مطمئنون أن ما قرروه في عهدة «حريص»، من باب «أرسل حريصا ولا توصه».

والأمر لا يتعلق فقط بسوق نيويورك، فلكل الأسواق الرئيسية (الناضجة) سياسات إيقاف. السؤال: ما هي سياسة الإيقاف في سوقنا المالية؟ ليست هذه المرة الأولى التي يُطرح فيها السؤال، ولكن بعد تجربة «أحد الأضحى» عاد الأمر للواجهة؟

وأدرك أن هناك من لا يؤيد تفويض الكمبيوتر لتنفيذ الإجراءات، لكن هل يوجد من يؤيد عدم صياغة سياسة شاملة لإيقاف التعامل، حتى تكون آلية اتخاذ القرار متأهبة للمواكبة الناجزة لتقلبات السوق؟

لا أظن، إذاً لنضع سياسة ولنعلن عنها، وأقترح أن نفوض الكمبيوتر لتنفيذ إجراءاتها منعاً لأي تعطيل غير مقصود.

وهناك من ينظر لإيقاف التعامل في السوق المالية أو حتى إيقاف التداول لسهم بأنه أمرٌ جلل، رغم أنه ليس كذلك البتة؛ فإدراج أسهم شركة يرتكز على معايير معينة حصراً لها قيم كمية محددة، فإن هبطت كلها أو بعضها أو أحدها عن حدها الأدنى المُقرّ مسبقاً وجب الإيقاف حكماً.

وكذلك الأمر بالنسبة لإيقاف التداول في السوق؛ فالأمر يتصل بقيمة المؤشر هبوطاً. وهكذا، فهناك ما يبرر الدفع بأهمية إزالة «الهالة» عن قرار الإيقاف، وإحلال التقنين والشفافية في سياسة ليصبح القرار هيكلياً يرتكز على مدخلات كمية، ويفوض اتخاذه لكمبيوتر.

ولابد من الاستدراك بالقول إن هناك حالات تستوجب الإيقاف لاعتبارات لم تغطها السياسة الموضوعة، تلك الحالات تتطلب قرارا من صاحب الصلاحية بكل تأكيد.

أعود للقول إن فقدان السوق لأكثر من سبعمائة نقطة، وما يعادل 6.5 بالمائة من قيمة المؤشر أمر يستوجب الإيقاف المؤقت، وقد لا يتفق كثيرون، لكن لم الجدل؟

فلننه الجدل بأن نضع سياسة إيقاف، ونسلم نسخة منها لكمبيوتر «تداول»، ونسخة لكمبيوتر هيئة السوق، فهي كفيلة بقمع الاشاعات وكبح تدافع الحشود.

نقلا عن اليوم