أصبح انخفاض تكلفة الإنتاج غير ذي صفة!

13/10/2014 1
د. إحسان بوحليقة

ما نقطة التعادل المالي لبرميل النفط؟ حالياً، هذا هو محل تحليلات ورسوم بيانية تعرض التفاوت في نقطة التعادل من دولة منتجة لأخرى.

وكما هي العادة، فمصدر التحليلات أجنبي، ودورنا نحن أن نتفاعل معها ونستهلكها، ونعلق عليها، ونتشاحن حولها؛ فتجد منا من يؤكد دقة التقديرات وآخر يسفهها ويعتبرها غير دقيقة وأن لها مأرب أخرى!

وإجمالاً، فقد شَغَلَ هذا الأمر الصحافة العالمية السيارة والمتخصصة ولحقت بها قنوات الاعلام المحلية، فأشغلتنا.

وكما ندرك جميعاً، فنقطة التعادل هذه تقوم على افتراضات تتعلق بسعر النفط الكافي لتوليد عوائد تمكن الدول المنتجة من تغطية انفاقها العام.

وفلسفة ورؤية واستراتيجية وحجم مخصصات الانفاق العام تتفاوت من دولة لأخرى، كما تتفاوت توجهات وقدرات وأداء الدول في بناء احتياطيات الخزانة، فلتلك الاحتياطيات الدور الأساس في احتساب نقطة التعادل المالي المفترضة، ورغم ذلك فَجلّ التحاليل تُسقط ذلك الحدّ الحرج من حساباتها، وكأن الأمر يتعلق فقط بما تنتجه الدول في يومها هذا.

رغم أن النقطة الأساس هي: هل ستتمكن الخزانة العامة لدولةٍ تعتمد على النفط من تلبية الانفاق العام دون الاضطرار للاستدانة؟ والنقطة الثانية: هل ستستمر الحكومة، في حال انخفاض أسعار النفط، في الانفاق بنفس مستوى الأعوام السابقة عندما كانت الأسعار أعلى وأكثر تماسكاً، كالأعوام الخمسة الماضية المنصرمة على سبيل المثال؟

وعلى صلة بالنقطة الثانية، فليس عمليا الحديث عن خفض الانفاق الجاري، أي ما يخص ما تنفقه الحكومة على تشغيلها بما في ذلك رواتب الموظفين والمصاريف الإدارية والمستهلكات، وما يستوجبه تشغيل المرافق القائمة، إذ أن ذلك لن يكون واقعياً؛ فهو يعني تقليص الحكومة لأنشطتها وخفض عدد موظفيها، وهذا ليس حتى محل افتراض في معظم الدول النامية المنتجة والمرتكزة عوائد خزينتها على النفط.

أما الانفاق الرأسمالي للحكومة، وهو ما يخصص للاستثمار في البنية التحتية والمشاريع التعليمية والصحية وكل ما له صلة بتكوين رأس المال الثابت، فحجمه يعتمد للحد البعيد على قائمة المشاريع التي ستمولها الخزانة، وهي تتفاوت هبوطاً وصعوداً تبعاً للخطط التنموية في الأساس.

وهكذا، فليس عمليا الحديث عن ما يسمى «نقطة التعادل المالي» إلا باعتبارها مؤشراً، أو المؤشر المكمل فهي «نقطة التعادل الفعلي»، وهذه تشمل العوائد النفطية والاحتياطيات وسيناريوهات الانفاق العام (هبوطاً أو صعوداً أو استقراراً)، بما يشكل ما يمكن القول ان تلك النقطة هي الفارق بين قدرة الخزانة عن التمويل من مواردها أو الاضطرار للاستدانة.

وعند النظر للوضع فيما يخص بلدنا -يرعاه الله- ستجد أن التقارير تقدر نقطة التعادل عن 80 دولاراً، وكنت بالفعل أتمنى أن يخرج لنا أحد المراكز المحلية المتخصصة في الدراسات النفطية والذي يملك نفساً رسمياً ليبين ما هي نقطة التعادل المالي للمملكة، ومن جانب آخر فقد يكون مفيدا اطلاق ندوة من قبل جمعية الاقتصاد السعودية باعتبارها جمعية أكاديمية في الأساس، لتناول هذا الأمر، وقد تنجح الجمعية في استضافة بعض متخذي القرار في دوائر النفط والخزانة السعودية بما يمكن من إلقاء الضوء، عن مستوى العوائد المتوقعة لهذا العام، وتوقعات الأعوام القادمة، وربط ذلك بمستويات الانفاق المطلوبة لتمويل الخطة الخمسية العاشرة، وتحديداً في الباب الرابع، وهل من المتوقع أن يستمر الانفاق في المستويات الحالية أم سيتراجع؟

ومبرر طلب ذلك، هو أن نساهم في النقاش الدائر عالمياً من واقع بيانات محلية ووجهات نظر محلية، ورغم إدراكي أن العديد من المتخصصين في اقتصاديات النفط والمتابعين لصناعته من المواطنين يملكون المعرفة والعمق، لكن يبقى الجدل دائرا حول البيانات والافتراضات التي تتم ما ينقص منها، وفي مسعى للارتقاء بجودة التوقعات، فلعل من المفيد المزاوجة بين بيانات محلية ووجهات نظر رسمية واختصاصية وصلاً لما سينور الرأي العام حول ما يثار عن كفاية إيرادات النفط في حال انخفاض السعر عن ثمانين دولاراً.

وأذكر أننا لم نكن نسمع قبل سنوات عن نقطة التعادل هذه، فكان الاهتمام هو تكلفة الاستخراج، ولكن مع الاستمرار في ارتفاع الانفاق العام بوتائر عالية لتمويل البرامج التنموية أصبحت تكلفة انتاج البرميل ضعيفة الصلة، فقد انتقل التركيز من عوائد الإنتاج إلى التزامات الانفاق.

الأمر بحاجة للتأمل، ومما يستوجب التأمل هو تقنين الانفاق وخصوصاً على المشاريع، وذلك لاعتبارات يأتي على رأسها أن تأخر وتعثر المشاريع يستوجب الأخذ في الاعتبار منح وقت ملائم لتنفيذ القائمة الطويلة والتي وضعت لها مخصصات في سنوات قادمة لكنها لم تر النور حتى الآن، وهذا يعني أن يستمر الانفاق الرأسمالي (ممولاً من التزامات وضعت في سنوات سابقة) لسنوات قادمة!

نقلا عن اليوم