هل تلوح في الأفق أزمة عالمية جديدة؟

25/09/2014 5
أحمد الخطيب

يعتبر منتصف عام 2008 هو الوقت الذي بدأ عنده ظهور مؤشرات الانهيار المالي العالمي الذي مازال يلقي بظلاله على الاقتصاد في جميع أنحاء العالم.

في الست سنوات الماضية شهدنا أنواعا وأحجاما مختلفة من التدهور الاقتصادي في جميع القطاعات وفي مختلف المناطق.

وأيضا تابعنا، وما زلنا نترقب، تعامل الحكومات والبنوك المركزية مع الأزمة بدءا من إنقاذ مؤسسات مالية كبرى وترك غيرها عرضة للإفلاس إلى إجراءات التحفيز وضخ الأموال وغيرها من السياسات المختلفة.

وحتى الان لا يمكن لأي كان أن يدعي أن العالم خرج من الأزمة وتداعياتها. 

في الوقت الحالي، تتردد اّراء متشائمة من قبل بعض الخبراء تحذر من أزمة أسوأ من السابقة على اعتبار أن ضخ الأموال في الأسواق سيكون له ارتداد سلبي لا يمكن تجنبه مع مرور الوقت  مما يؤدي إلى ما يسمى "فقاعة السندات" على غرار "فقاعة الرهون العقارية" سيئة الذكر.

لكن هل الوضع الاقتصادي في العالم حاليا يشبه ما كان عليه في عام 2008؟

أسعار الذهب في ذلك الوقت كانت في مستويات عالية نسبة لأسعار تلك الفترة على الرغم من هبوطها تحت سعر 1000 دولار الذي كان سعرا قياسيا يومذاك.

فقد الذهب حوالي 35% من أعلى قيمة له مع بداية الأزمة قبل أن يبدأ بالارتفاع تدريجيا إلى أن سجل سعره التاريخي الحالي 1920 دولار للأونصة ما يعني أنه ارتفع خلال الأزمة بنسبة تقارب ال 180% في أواخر عام 2011.

عاد بعدها إلى التذبذب حول تلك المستويات مع التوقعات بتخطيه حاجز 2000 دولار للأونصة قبل أن ينهار إلى الأسعار الحالية التي يعتبر عندها قد فقد 35% مرة أخرى من قيمة سعره التاريخي.

في المقابل مؤشرات الأسهم الأميركية التي تسجل حاليا أسعارا قياسية كانت حركتها مختلفة خلال الأزمة.

مؤشر داو جونز كان سجل مستواه التاريخي حينها في عام 2007، ولكنه بقي بعد ذلك في مراحل من الصعود والهبوط قبل أن يهوي خلال الأزمة ويفقد 55% من قيمته.

بعدها عوض خسائره تدريجيا إلى أن بلغ ارتفاعه نسبة 165% من أدنى سعر سجله عام 2009. نفس السلوك انطبق على المؤشرات الأخرى.

النفط كان أكبر الخاسرين وأسرعهم. ففي فترة 4-5 أشهر خسر 77% من قيمة سعره التاريخي البالغ 147 دولار للبرميل (خام تيكساس). كما أنه لم يعد إلى أسعاره القياسية أبدا على الرغم من عودته إلى مستويات مرتفعة. 

على صعيد العملات، انخفضت قيمة معظم العملات الرئيسية مثل اليورو والجنيه الاسترليني مقابل الدولار مع تفاقم الأزمة وتوجه الأسواق نحو العملة الأميركية كما جرت العادة خلال الأزمات المالية. فسعر 1.6 لليورو و 2.1 للجنيه الاسترليني أصبحا من الماضي.

أما فيما يتعلق بالرقابة على أداء الأسواق والمؤسسات المالية، فقد جرت تحقيقات غير مسبوقة تبعها في كثير من الأحيان فرض غرامات كبيرة جدا، بالإضافة إلى الكشف عن عدد غير بسيط من الشركات العريقة التي تلاعبت بحسابات عملائها مما أدى إلى إفلاسها وإغلاقها.

العديد من التحقيقات ما تزال قائمة وخصوصا تلك المتعلقة بالتلاعب بأسعار الصرف أو محاولة التأثير عليها لمصلحة البنوك الكبرى.

واتهمت مصارف ضخمة بالتلاعب بأسعار الفائدة، ويسعى بعضها لإجراء تسويات مع أجهزة الرقابة مع التعهد بإجرائات أكثر صرامة.

لكننا على الرغم من كل ما يعلن في هذا الخصوص، لم نلحظ أن الجهات الرقابية قدمت ما يمكن الركون إليه واعتبار أن ما جرى سابقا لا يمكن أن يتكرر.

بشكل عام، تختلف الاراء في الاسواق حاليا بين من يسير خلف التعافي الاقتصادي وارتفاع شهية المخاطر مستدلا بتحسن بعض المؤشرات الاقتصادية وبين المحافظين المحذرين من أن انهيارات في الأسواق على وشك أن تحدث. 

في رأيي، وبناء على المقارنات المذكورة أعلاه، أن الوضع الحالي ليس وضع بداية أزمة جديدة حتى الان. فهناك بعض التعافي الفعلي في الأسواق على رغم بطئه ولا يوجد ما يوحي بتجاهل الامور السلبية كما في السابق.

لكن لا يمكن استبعاد أن الأرضية التي ممكن أن تؤدي إلى أزمة جديدة بدأت تتشكل فعلا والانجراف غير المحسوب خلف المخاطرة هو أخطر ما يمكن أن يحدث.

في النهاية، أعتقد أن أي أزمة في المستقبل القريب لو حدثت ستكون محدودة، وأتمنى أن يكون الجميع قد أخذ دروسا كافية من الأزمة السابقة.