ارتفاع وانخفاض أسعار الأسهم

24/07/2014 2
د. عبد القادر ورسمه غالب

إن شراء وبيع الأسهم يعتبر من النشاطات الاستثمارية التي تعود بفوائد مالية عديدة على المستثمرين، إضافة إلى آثارها المباشرة على الحركة التجارية عبر تنشيط ودعم الشركات المدرجة في الأسواق المالية.

ونظرا لهذه الآثار الإيجابية العديدة المتعددة ظلت الجهات الرسمية المختصة تحرص على دعم الاستثمار في الأسهم وتوفير البيئة التشريعية والفنية المناسبة التي تمكن هذه الاستثمارات من النمو والتفاعل في إطار آمن وسليم. هذا مع العلم، إن فلسفة التشريعات المنظمة لأسواق المال تقوم أساسا على حماية المستثمر وتوفير كل الضمانات القانونية والفنية المطلوبة خاصة وأن المستثمر هو زاد وعصب هذه العملية.

من متابعة حركة أسواق المال في دولة الإمارات في الأسابيع الأخيرة نلاحظ انخفاضا كبيرا واضحا في أسعار الأسهم وهذا الانخفاض يأتي بعد أن شهدت الأسعار زيادة مطردة نظير ترقيتها لمرتبة الأسواق الناشئة والتي أتت كنتيجة طبيعية لما وصلت إليه هذه الأسواق من تطور ملموس تشهده الأعين وتحسه الأيادي المستثمرة.

ولقد انزعج المستثمرون من هذا الانخفاض الذي سبب لهم خسائر مادية ملحوظة وفقدوا عقلهم والكثير مما كانوا يحصدونه في هذه الأسواق النشطة.

بصفة عامة نقول، إن الأسهم المعروضة في الأسواق هي عبارة عن “بضاعة” بمواصفات خاصة وذات قابلية حساسة إما ارتفاعا أو انخفاضا. ونظرا لهذه الخصوصية والحساسية المفرطة فإن القوانين وأنظمة الأسواق مبرمجة بطريقة تسمح بزيادة أسعار الأسهم أو انخفاضها ولكن في حدود معينة يجب التقيد والالتزام بها وإلا تدخلت إدارة السوق واتخذت ما تراه مناسبا من الإجراءات حيال الأسهم، وربما الأمر بإيقاف التداول فيها للفترة التي تراها مناسبة أو وقف نشاط الشركة وتجميده…. وكل هذه الإجراءات الاحترازية إلزامية وتهدف لحماية المستثمر وضمان عدم فقدانه لأمواله وثرواته في لحظات بسيطة، وكذلك لضمان سير العمل في الأسواق وفق وتيرة مقبولة بعيدا من المضاربات والتصرفات غير المقبولة.

وهناك مسؤولية قانونية تقع على إدارة الأسواق وهيئات أسواق المال يجب الالتزام بها بصفة مستمرة بحيث تتم مراقبة العمل في الأسواق للدرجة التي توفر البيع والشراء الطبيعي للأسهم وارتفاع وانخفاض أسعارها فقط وفق معطيات السوق وواقع الحال وليس وفق معطيات ومؤثرات خارجية لا علاقة لها بواقع السوق وحاله وأحواله. ومن هذا نخلص إلى أن أسعار الأسهم يجب أن تكون نابعة من قوة أو ضعف السهم نفسه وليس بعيدا عنه. ومثلا إذا حققت الشركة أرباحا ظاهرة مستمرة فمن الطبيعي أن يرتفع سعر أسهمها والعكس صحيح.

ولتوفير الجو الأمثل لتداول الأسهم في أسواق المال فهناك متطلبات أساسية يجب مراعاتها والعمل على الالتزام بها. لا نستطيع حصر كل المتطلبات في هذه السانحة، ولكن من الأمثلة الهامة نشير لضرورة العمل على توفير الشفافية والإفصاح من كل الجهات المرتبطة بتداول الأسهم وخاصة الشركات المدرجة والتي يقع على عاتقها تقديم المعلومات الكاملة الصحيحة عن الشركة وأوضاعها وكل ما يرتبط بها، وهذا بالطبع يقود لمعرفة حال أسهمها وهل هناك مبرر لزيادة أو انخفاض أسعارها.

ولكن، الواقع المعاش يقول إن معظم الشركات لا تقدم المعلومات بصورة سليمة وبمهنية مجردة بل نجد هناك نوعا من الدعايات والإعلانات والتصريحات والمؤتمرات واللقاءات بغرض تجميل وجه الشركة ووضع آخر صيحات المكياج عليه… وكل هذا بهدف رفع الأسهم، وتتم الزيادة ولكنها لم تأت من واقع الحال بل من واقع المكياج الاستعراضي الذي تبدع بعض الشركات في إظهاره مما يؤدي إلى ارتفاع سعر الأسهم وفجأة وفي سرعة يهوي وينخفض السعر لأنه لم يكن من واقع حال الشركة بل أتى نظير أسباب دعائية وتصريحات مفوهة.

ومثل هذا الوضع يحتاج إلى ضبط من الجهات المختصة، وهذا الضبط يحتاج إلى متابعة لصيقة لما يجري في السوق وخارج السوق في دوائر متعددة بغرض السيطرة التامة على المؤثرات الخارجية وخاصة الإعلانات الدعائية والتصريحات الجوفاء. ونعلم أن هناك صراعات ومشاكسات حامية الوطيس بين بعض الجهات الإشرافية على الأسواق وبعض الشركات المدرجة التي تعرف كيفية حصر كل جهودها في العمل الدعائي المدروس وتصدر واجهات الصحف… وأسمع جعجعة ولا أرى طحينا، ومن مثل هذه الممارسات يجب حماية المستثمر وحماية الأسواق بل وحماية الشركات نفسها مما تفعله في نفسها.

شراء وبيع السهم في الأسواق لا بد أن يتم عبر الوسطاء، وفي كل حركة يستفيد الوسطاء ويزيد رصيد عمولتهم، ومع كل حركة بركة. وقطعا فإن حركة الوسطاء مؤثرة في الأسواق ولها دور في ارتفاع أو انخفاض أسعار الأسهم وهذا يعود لأسباب عديدة من ضمنها تلك النصائح والاستشارات التي يقدمها الوسطاء للمستثمرين. وعلى الوسطاء توخي الحذر وممارسة دورهم وفق المعايير المهنية والضوابط الفنية وكل هذا يجب أن يتم في إطار عكس الواقع الحقيقي للشركات وأسهمها مع عدم المبالغة في الإطراء وتحسين الوضع لدرجة تؤثر على أسعار الأسهم فقط من واقع الإبداع في فن التسويق وعرض البضاعة وليس من حال البضاعة نفسها.

والخطورة هنا تأتي من أن تأثير الوسطاء كبير جدا على المستثمرين وقد يدفعهم للتدافع من أجل شراء أسهم معينة يتم نفخها كالبالونة وكثرة الطلب عليها يتسبب في رفع سعر الأسهم وفجأة تتهاوي وتسقط ويتم حصد السراب. وعلى الجهات الإشرافية مراقبة أعمال الوسطاء والاطمئنان على أن هذه الأعمال تتم بمهنية مجردة ودون تأثيرات تعود بمنافع ذاتية للوسطاء على حساب السوق وحركته الطبيعية ونشاط الشركات الحقيقي.

والمسؤولية لا تنحصر فقط في الشركات شاملا مسؤوليها والوسطاء، بل تتعداهم إلى إدارة الأسواق وهيئاتها بصفتهم يمثلون دور “المايسترو” في ضبط توليفة حركة التداول ومتى يرتفع الصوت ومتى ينخفض، وكلما كان “المايسترو” متمكنا من موهبته وخبرته يأتي العمل منسجما ومتناغما دون نشاز على أي طرف له ضلع في عملية التداول. وإذا أحجمت الأسواق وهيئاتها عن هذا الدور الهام ستضرب الفوضى بأطنابها في كل جنبات السوق مما يؤدي لانتكاسته وفي مثل هذه الحالات سيكون المستثمر هو الضحية إضافة إلى أن الأسواق ستفقد مصداقيتها وسيهرب منها العاقل وغيره…

إن بضاعة الأسهم هشة وبسبب هذه الخصوصية لا بد من التعامل بها ومعها بمنتهي الحيطة والحذر خاصة وأن الأسعار متقلبة جدا ومتأرجحة صعودا ونزولا وهي مليئة بالفقاعات الفارغة. لكل هذا قد نجد المستثمر اليوم وهو “فرحان” وفي الغد نجده “غضبانا”، وهو لا يكترث عندما يكون فرحانا ولكنه إذا غضب يستفسر عن نكبته ويقال له “السوق يصحح وضعه أو الأسعار تصحح وضعها” ونقول، إذا جاز لنا، أن هذه مقولة حق أريد بها باطل… لأنها عبارة عن اعتراف ضمني بالفشل في السيطرة على السوق، ليس إلا.

السيطرة الكاملة على ما يجري في الأسواق، في نظري، أمر صعب التحقيق إذا لم نقل مستحيلا. ولكن على الجهات الإشرافية بذل كل الجهد في مراقبة نشاط الشركات المدرجة ومسؤوليها وأيضا متابعة دور الوسطاء لتأكيد الممارسة المهنية.

كذلك هناك حاجة لمساعدة القطاع المصرفي ليوظف إمكانياته نحو دعم السوق والاستثمار فيها وذلك بوضع الضوابط المنظمة لتمويل شراء الأسهم وعلى الجهات الممولة الالتزام بهذه الضوابط حتى لا يخرج هذا التمويل عن السيطرة وبما يؤثر على بيع وشراء الأسهم.

اتباع مثل هذه الخطوات، وغيرها، قد يكون محاولة جادة لوضع الأمور “تحت السيطرة” مع التنبه الحذر لاستخدام مكابح الوقف السريع كلما ظهر طارئ. ونقول للمستثمرين، إن من “حلاوة” هذا النشاط وجود المخاطر المرتبطة بالأسعار وهذه المخاطر بثمنها.

نقلا عن عُمان