هل ينهي إلغاء الصكوك المشبوهة أزمة السكن؟

22/07/2014 5
د.عبد العزيز حمد العويشق

حسب تقارير نُشرت الأسبوع الماضي، قامت وزارة العدل بإلغاء عدد من صكوك الأراضي التي تم الحصول عليها بطرق غير شرعية وتغطي مساحات شاسعة في منطقة الرياض ومناطق أخرى من المملكة. ففي الرياض وحدها، تجاوزت المساحة الإجمالية التي غطتها تلك الصكوك (500) مليون متر مربع. وتم إصدارها لمصلحة تجار أراض وعقاريين وكتاب عدل وغيرهم.

وإن صحت التقارير، فقد تكون هذه أكبر حالة تم تسجيلها للاستيلاء على الأراضي الحكومية، فالمساحة الإجمالية تبلغ نحو (500) كليو متر مربع، ما يعادل مساحة عدة دول صغيرة، مثل مالطا وموناكو وليكتنشتاين والفاتيكان مجتمعة.

ولذلك يمكن أن يكون لإلغاء هذه الصكوك، وعودة الأراضي إلى ملكية الدولة، أثر ملموس على أسعار الأراضي في العاصمة، إن تم إدارة الأمر بالشكل المطلوب.

وتقوم وزارة العدل بجهود مشابهة في مكة المكرمة وجدة والطائف والليث وخليص، حيث تم إبطال صكوك تغطي مساحات تبلغ (200) مليون متر مربع.

وقد أسهم في تحقيق هذه الإنجازات عدد من الخطوات التي تم اتخاذها مؤخراً. إذ تم تشكيل لجان متخصصة من ضمن مهامها التأكد من صحة الصفقات والصكوك المتعلقة بنقل ملكية الأراضي العامة دون وجه حق. كما ساهم في الملاحقة تنفيذ مشروع التوثيق الإلكتروني الذي تقوم به الوزارة. وما كان شيء من ذلك ليتحقق لولا عزمها وتصميمها على ملاحقة المشتبه بهم، قانونيا وقضائيا حين يلزم الأمر.

وكما أظهرت القضايا التي أحيلت إلى المحاكم، فإن الصفقات المشبوهة الكبيرة، التي تبلغ قيمتها أحياناً مليارات الريالات، لا يمكن أن تتم دون مساعدة المسؤولين عن تسجيل الأراضي واستخراج الصكوك، سواء كانوا موظفين في البلديات أو كتابة العدل وغيرها. فقد استسلم بعضهم للإغراءات المادية، ولكن يد القضاء بدأت في الوصول إليهم، ولعل الملاحقات القضائية تصل إلى البقية قريباً.

وبالإضافة إلى هذا التواطؤ، توافرت عدة عوامل لتسهل استيلاء تجار الأراضي وغيرهم على الأراضي العامة والخاصة. منها الأعراف والتقاليد القانونية غير المكتوبة المتعلقة بملكية الأراضي، والملكيات غير الموثقة توثيقا كاملا. فقد كان من المسلمات أن الدولة، كممثلة للمجتمع، تملك معظم الأراضي خارج نطاق العمران الذي كان محصوراً داخل أسوار المدن. أما الأراضي الزراعية، فقد كان للمزارعين حق إحيائها والانتفاع بها، ويمكن أن تعود ملكيتها للدولة متى تخلوا عن إحيائها. وحسب التقاليد، فقد كان الجميع يحترم ملكية الآخرين الخاصة دون الحاجة إلى صكوك مكتوبة بالمعني الحديث. ومن كان لديه صك احتفظ به هو وورثته، ولم يكن التسجيل لدى المحاكم أو الدوائر الحكومية منتظماً.

هكذا كان الحال في منطقة الرياض، إلى وقت قريب.

ومن الناحية الاقتصادية، لم تكن هناك حوافز للاستيلاء على الأراضي العامة إذ كانت قيمتها السوقية شبه معدومة إلى وقت قريب، وللسبب نفسه لم يكن هناك وجود للمضاربة على الأراضي.

ولكن ذلك كله تغير بعد بدء امتداد الرياض خارج أسوارها القديمة، لدى اختيارها عاصمة إدارية منذ ستين عاماً، بالإضافة إلى كونها العاصمة السياسية منذ البداية. وبدأت طفرة الأراضي الأولى حينئذ، وظهرت حوافز جديدة للاستيلاء على الأراضي العامة، بوثائق مشكوك في حجيتها في كثير من الأحيان.

ويشكل الاستيلاء على الأراضي العامة النسبة الكبرى من الحالات، حيث يتم الاستفادة من ضعف التسجيل وصعوبة الرقابة على تلك الأراضي. ويتعلق بعض الحالات بأملاك الأوقاف التي تضعف فيها الرقابة وتعود وثائقها إلى فترات موغلة في القدم. ولكن يصعب الاستيلاء على الأراضي الخاصة، إن كان أهلها أحياء وفي سن الرشد، لأنهم عادة ما يقاومون محاولات الاستيلاء على أراضيهم، وإن لم يتمكنوا من ذلك، يستطيعون رفع قضايا في المحاكم تؤدي إلى تعطيل استفادة الطرف الآخر منها، إلى حين على الأقل..

وامتدت حمى الاستيلاء خارج النطاق العمراني إلى أراض تبعد عشرات الكيلومترات من الرياض. وعلى الرغم من أنها لم تكن قابلة للتسويق، إلا أن وراء الاستيلاء عليها خطة اقتصادية محكمة، تهدف إلى إخراجها من إمكانية التداول أو التطوير أو التوزيع على المواطنين، وبالتالي إيجاد "ندرة" مصطنعة في الأراضي القابلة للتطوير تبرر رفع الأسعار داخل النطاق العمراني.

فمن غير المنطقي اقتصاديا أن تكون أسعار الأراضي مرتفعة في المملكة العربية السعودية لأنها تتمتع بكثافة سكانية منخفضة. إذ تزيد مساحة المملكة العربية السعودية عن ميلوني كيلو متر مربع، مما يعني أن حصة المواطن منها تتجاوز (100) ألف متر مربع لكل فرد.

وينطبق هذا على الرياض على وجه الخصوص بعد توسعها خارج الأسوار، حيث تقع في وسط الصحراء دون وجود حدود طبيعية تمنع امتدادها. فقط في الجانب الغربي توجد جبال ووديان تحدّ ولكن لا تمنع الامتداد.

ومع ذلك فقد بدأت طفرة الأراضي في الرياض تحديداً، حيث ارتفعت مئات الأضعاف خلال جيل واحد فقط. فمنذ خمسين عاماً لم تكن تتجاوز تكلفة الأرض بضعة آلاف في وسط الرياض، وتنخفض في الأطراف إلى أقل من ذلك. أما اليوم فقد تصل بضعة ملايين في بعض أحيائها.

ولم يعد معظم الشباب قادراً على شراء قطعة أرض صغيرة يبني عليها بيتاً لأسرته، وقد يستغرق عقوداً إلى أن يتمكن من ذلك.

ومن هنا تأتي أهمية الخطوات الجريئة التي اتخذتها وزارة العدل بإلغاء الصكوك غير الشرعية، وإعادة الأراضي المشمولة بها إلى ملكية الدولة. إذ إن ذلك يُحبط الخطط الرامية إلى الحد من المعروض من الأراضي، وإبقاء أسعار المعروض منها مرتفعة. وإن أُدير الأمر بالشكل المطلوب، فقد يُنهي المضاربة في الأراضي كما نعرفها إلى حين. فإن تمت الاستفادة من هذه الأراضي بتخطيطها وتوزيع قطع سكنية على المواطنين أو بيعها بأسعار معقولة، فإن ذلك قد يمنع أسعار الأراضي السكنية داخل النطاق العمراني من الارتفاع، إن لم يؤدِّ إلى خفضها.

 

نقلا عن صحيفة الوطن