الصندوق الاحتياطي الوطني (2 – 2)

29/06/2014 0
د. أنور أبو العلا

المملكة لديها اليوم صندوق من أكبر الصناديق السيادية في العالم تديره ساما بالنيابة عن وزارة المالية (المسؤولة عن خزينة الحكومة) لكن بعض أعضاء مجلس الشورى لديهم اعتراضان:

اولا: يطالبون باستقلالية الصندوق عن وزارة المالية وإنشاء ادارة مستقلة يرأسها مسؤول برتبة وزير ولا يجوز السحب منه الا في حالات الضرورة القصوى بمرسوم ملكي.

ثانيا: يطالبون بأن تستثمر اموال الصندوق في اصول أكثر خطورة لأن عوائدها قد (ليس مؤكّد) أعلى من عوائد الاستثمارات الحالية التي عوائدها قد تكون أقل لكنها بالتأكيد آمنة (رأسمالها وعوائدها مضمونة).

المطالبة الاولى هي تنظيمية الجديد فيها هو فقط طلب تعيين وزير مختص للصندوق بدلا من وزير المالية اما عبارة: "لا يجوز السحب منه الا بمرسوم ملكي في حالات الضرورة القصوى المتعلقة بالمصالح العليا للدولة" فهي منقولة بالنص الحرفي من مراسيم الميزانية ومطبقة على حساب (صندوق) الاحتياطي الحالي وقد سبق ان ذكرت ذلك بالتفصيل في هذه الزاوية بتاريخ 29\12\2012 بعنوان: "صندوق الاجيال والصناديق السيادية ضرورة توضيح المفاهيم".

أما المطالبة الثانية فأن المطالبين بالاستثمار في اصول ذات عوائد عالية فهم مخدوعون بالدعايات عن مكاسب هذه الصناديق فهي في حقيقتها حتى وان بدت مرتفعة في قيمتها الدفترية على الورق فانها مبالغ فيها وسرعان ما يتم اكتشاف هذه المبالغة عند الاحتياج الى تسييلها كما حصل للكويت (على سبيل المثال) وكذلك تحتاج الى مصاريف ادارية واستشارية ومحاماة وعرضة للأزمات الاقتصادية في الدول المضيفة. اضافة الى انها معرّضة للنهش كما وصفها بعض اعضاء مجلس الشورى فهذه حقيقة لم يأت اعضاء مجلس الشورى بها من فراغ فتاريخ هذه الصناديق يثبت هذا النهش (فقد يكون حاميها حراميها) ولازال الناهشون تطاردهم حكوماتهم بالإنتربول دون طائل.

النظرية الاقتصادية للموارد الناضبة واضحة كل الوضوح بأنه يجب استثمار عوائد المورد الناضب في استثمارات (داخل الوطن) تدر عوائد مستدامة تعوّض عن (أي تساوي) عوائد المورد بعد نضوبه. هذا المبدأ الاقتصادي كان معروفا – ربما بالفطرة – لدى واضعي خطة التنمية الاولى فكانت اهدافها صريحة لا تحتوي الا ثلاثة اهداف يتيمة فقط هي: التنمية الحقيقية، وتنويع مصادر الدخل، وتمكين القوة العاملة الوطنية من القيام بعملية التنمية المستدامة.

كذلك تم وضع الآليات والقواعد لتحقيق هذه الاهداف الثلاثة على ارض الواقع فتم انشاء وزارة الصناعة، وتم انشاء مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين وتكوين سابك واخواتها.

الآن في زمن الغرائب والعجايب بدلا من ان يطالب مجلس الشورى بتصحيح المسار وترشيد انتاج وانفاق عوائد البترول على تنمية مستدامة بسواعد ابناء الوطن، يطالب باقتطاع 30 % سنويا من ايرادات المورد الناضب وتعطيلها في الخارج الى ان تعصف بها الرياح لتكتمل محاسن مجلسنا الموقر فبعد ان حكم على شبابنا بأنه بطران لا يقبل العمل يحكم الآن على ارضنا بأنها عقيم لا تقبل التنمية.

لقد آن الأوان الآن – ولا يوجد وقت للتأجيل – بالعودة الى الجذور الأولى لخطط التنمية والبداية من جديد بإعادة الروح لوزارة الصناعة وتعيين وزير بحيوية وحماس الدكتور القصيبي في بداياته (قبل ان يتراخى وتتشتت جهوده) بتكرار – والتوسع في – مدينتي الجبيل وينبع ونسخ اخوات لسابك على قواعد قوية جميع عمالها مواطنون بأجور وحقوق وساعات عمّال الدول المتقدمة.

نقلا عن الرياض