صندوق احتياط لصندوق

18/06/2014 0
د. إحسان بوحليقة

لدينا في المملكة صندوقان للتقاعد، أحدهما للقطاع الخاص وما في حكمه وآخر لموظفي الحكومة، وبالتأكيد هناك برنامج التقاعد العسكري.

هذه البرامج تتلقى اشتراكات ممن هم على رأس العمل، وتصرف معاشات للمستحقين من المتقاعدين، سواء مع بلوغ السن النظامية أم نتيجة للتقاعد المبكر اختيارياً أم نتيجة لظرف مقعد. ومؤخراً طرح في الشورى موضوع إنشاء صندوق احتياطي للتقاعد.

وأخذاً في الاعتبار أنظمة التقاعد لدينا، نجد انعدام المبرر لإقامة صندوق احتياطي من هذا النوع، والسبب هو أن الحكومة هي الضامن لهذه الصناديق في حال العجز.

وما دام الأمر كذلك فلماذا يفرد صندوق من الخزانة العامة لضمان صندوق تقاعدي تضمنه الحكومة نظاماً؟!

قد يقول قائل من باب الاطمئنان، لكن الاطمئنان لضمان الحكومة السيادي كما نصت أنظمة (قوانين) البلاد أقوى وأوقع من أي احتياطي نقدي.

الأمر الآخر أن مناقشة هذا الأمر أتت في وقت قاتل، عندما كان مطروحاً للنقاش تحت القبة موضوع الصندوق السيادي والاحتياطي العام لاستقرار إيرادات الخزانة العامة، أي ان المجلس كان يناقش صندوقين في فترة واحدة تقريباً، فشوش صندوق الصندوق على الصندوق السيادي، وعندما استمعت لمداخلات بعض الأعضاء حول الصندوق السيادي اقتنعت بأن الأمر يستحق أن نعقد من أجله جلسات للحوار الوطني، والسبب أننا مررنا بتجربة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها مريرة من تراجع التنمية، والسبب هو نقص إيرادات النفط، واضطرار الخزانة العامة للاقتراض داخلياً لتمويل العجز، حتى بلغ العجز أشده عندما تطاول على كامل الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

وجميعنا يدرك أن النفط يساهم بنصيب الأسد في إيرادات الخزانة العامة بما يزيد على 90 بالمائة منها، وأن تراجع تلك الإيرادات بسبب تراجع الطلب على النفط أو تراجع أسعاره سيؤثر حتماً على فوائض الخزانة العامة، التي بوسعها تغطية العجز لسنوات معدودات وليس أكثر.

وهكذا، فوجود صندوق سيادي لتنويع الاقتصاد إضافة لاحتياطي لدعم استقرار إيرادات الخزانة أمر ترتكز مبرراته إلى تجربة ميدانية استمرت نحو ربع قرن، ولا يوجد أي مبرر ألا نفعل أي شيء بوسعنا فعله لتفادي تكرار تلك التجربة.

ورغم تلك التجربة، فلم تتأخر مؤسسة التقاعد أو مؤسسة التأمينات عن سداد معاشات أي مستحق، بمعنى أنها لم تتعرض لعجز، وفي حال أنها تعرضت لعجز فالنظام واضح صريح أن الملاذ هو الحكومة وخزانتها.

والمعارضة لإيجاد صندوق احتياطي للتقاعد لا تعني أن ليس هناك تحديات أمام برامج التقاعد، ولكن يمكن الجدل أن الاستعداد لتلك التحديات لا يكمن في إيجاد صندوق احتياطي، بل في إعادة هيكلة منظومة صناديق التقاعد لدينا بما يتواءم مع متغيرات الهيكل السكاني من جهة والتحولات الاجتماعية من جهة أخرى.

فالنظام القائم حالياً وضعت أسسه قبل ما لا يقل عن جيلين من الآن، ويجدر بنا أخذ نظرة عميقة متأنية ليكون صالحاً لعقود عديدة قادمة، دون الاخلال بمزايا المتقاعدين حالياً.

وما دمنا بصدد الاستفادة من التجارب، فإن التجارب الدولية تقول إن السيطرة على توازن برامج التقاعد ومنظومتها تتطلب أخذ المبادرة مبكراً، وإلا فالتراخي والتسويف سيؤديان لما تعانيه البلدان ذات التركيبة السكانية المسنة، كما هو الحال في أوروبا القديمة واليابان.

 

وهكذا، يمكن القول إن اقتراح انشاء صندوق احتياطي للتقاعد هو اقتراح «قيود محاسبية» لا ضرورة جوهرية لها ما دامت الخزانة ضامنة بحكم النظام، فوجود مثل ذلك الصندوق لن ينهي التحديات المتربصة بكل النظم التقاعدية، نتيجة للتحولات في الهرم السكاني وزحفه بتؤدة للشيخوخة والهرم، مما يتطلب أن تتحرك الآلية لتوازن بين الموارد والمصاريف، ويصبح لزاماً التحول من مصدر أحادي (الاشتراكات) إلى حزمة متعددة المصادر.

ومن جهة ثانية، التوجه نحو جهة تنظم نشاط صناديق التقاعد سعياً في تحرير هذا النشاط، ليصبح متاحاً انشاء صناديق تقاعد ثانوية، فمثلاً ما الذي يمنع أن يكون هناك صندوق «توفير» للمعلمين، من خلاله يقدم الصندوق مبلغاً مجزياً للمعلم والمعلمة عند التقاعد نظير اقتطاع جزء من الراتب، ومقابل ذلك يقوم صندوق التوفير هذا بتقديم خدمات اجتماعية متنوعة ليس فقط للمتقاعدين بل حتى للمعلمين ممن هم على رأس العمل.

وكذلك الأمر بالنسبة لبقية الموظفين وأصحاب الحرف والمهن في القطاعين العام والخاص. والحديث في هذا الأمر يطول، لكن إعادة الهيكلة أصبح ضرورياً، بما لن يقدم ولن يؤخر انشاء صندوق احتياطي التقاعد من عدمه.

ولعل الأفضل أن نقدم على خطوة إعادة الهيكلة دون تأخير، كسباً للوقت واعتباراً لما حدث ويحدث للعديد من البلدان التي تهالكت منظومة التقاعد لديها عندما هرمت، وهي لم تهرم بغتة، لكنه التسويف.

نقلا عن اليوم