«الشورى» والصندوق السيادي

11/06/2014 1
د. إحسان بوحليقة

ما أهمية وجود صندوق سيادي؟ هذا السؤال يخبو ويظهر بين الفينة والفينة. الحاجة لإطلاق صندوق سيادي لدولة من الدول تنبع في حال تحقيق الخزانة العامة فائضاً عاماً بعد عام، مما يستوجب استثمار تلك الفوائض لتنمو قيمتها حتى لا تتآكل نتيجة للتضخم وتذبذب قيمة العملات بل وانكماش قيمة بعضها أمام بقية العملات أو تعرضها للمخاطر الاقتصادية والسياسية.

والصناديق السيادية تتعامل مع تلك الفوائض الحكومية بمنهجية استثمارية مبادرة وغير تقليدية، باعتبار أن المنهجية التقليدية تقوم على وضع الفوائض في سندات خزينة أو أدوات نقدية وأدوات مالية، تماماً كما يحتفظ أحدنا بوديعة لأجل لدى بنك أو إن اشترى صكاً أو سنداً بكوبون ولأجل.

أما المنهجية غير التقليدية فترتكز على توظيف تلك الفوائض للاستحواذ على حصص استراتيجية في شركات مدرجة وغير مدرجة بالشراء المباشر أو من خلال صندوق أو صناديق تعود ملكيتها كلياً أو جزئياً للصندوق السيادي.

أما الجزء المبادر عند بعض الصناديق السيادية غير التقليدية فتتجسد بتنفيذ استراتيجية استثمارية محددة تتحقق بـ «الانقضاض» واستهداف استثمارات في شركات أو قطاعات محددة لتحقيق أهداف محددة.

في الشورى، نوقش الموضوع مطولاً من قبل بعض اللجان، وكان آخرها فيما أذكر توصية طرحتها اللجنة الاقتصادية في المجلس، بإيجاد صندوق احتياطي، وقد فازت التوصية وأصبحت قراراً. وتناول العديد من كتابنا الاقتصاديين الأمر في مناسبات متنوعة منهم د. محمد الصبان على سبيل المثال لا الحصر.

والعديد منا طرح الأمر متأثراً بتجربتين اثنتين: تجربة النرويج في إدارة إيراداتها النفطية حيث تضعها في الاحتياطي السيادي ابتداء لغرض تمويل العجز في الميزانية إن وجد، وتجربة تراكم الدين العام الذي عايشت ميزانيتنا العامة تصاعده لأكثر من عقدين حتى عادل 100 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

وكأننا نقول: علينا أن نحتفظ باحتياطي لاستقرار إيرادات الخزانة العامة لتفادي تكرار تجربتنا السابقة وبوسعنا الاستفادة من تجربة النرويج، أخذاً في الاعتبار ثلاثة أمور: توفر احتياطي نتيجة لتحقيق الخزانة لفوائض لما يزيد عن عقد من الزمن، توقعات من قبل العديد من المؤسسات بما فيها صندوق النقد الدولي باحتمال تراجع أسعار النفط، ارتفاع نقطة التعادل المالي (financial break-even point) لبيع برميل النفط للعديد من الدول المنتجة، بما في ذلك المملكة، لحدود 80 دولارا للبرميل.

بمعنى أننا بحاجة لوضع استراتيجية تحوطية لمنع اللجوء للاستدانة في حال تراجع أسعار النفط وامتداد ذلك التراجع لسنوات ومكابدة التذبذب في إيرادات النفط كما حدث في عقدي الثمانينيات والتسعينيات المنصرمين.

والسؤال: ليس وجود احتياطي من عدمه، فلدى المملكة احتياطي ضخم، بل في الحاجة لصندوق سيادي يكون مرتكزاً في توجهه الاستثماري على استراتيجية ملتزمة بتحقيق أهداف محددة.

وستأتيك الإجابة: بأن لدينا صندوق «سنابل» وهو صندوق سيادي. أما الحاجة فتتحقق بإيجاد صندوق سيادي (أو تطوير عمل «سنابل») ليدعم الهدف الأهم لاقتصادنا بأن يكون منوعاً، بما يعني السعي لاستقطاب تقنيات وتراخيصها أو الاستحواذ على شركات أو أجزاء منها بما يعيننا في تسريع قطاع الاقتصاد المعرفي.

ولن يذهب هذا الجهد بعيداً دون تكامل هذا الجهد مع المنظور طويل المدى لنمو الاقتصاد السعودي؛ أي التعرف على الهيكلة التي نريد الوصول لها تصاعدياً على مدى السنوات القادمة.

وهكذا، نجد أن مبادرة من هذا النوع لن تذهب بعيداً دون تكامل الجهود بين المالية من جهة والتخطيط والهيئة العامة للاستثمار من جهة أخرى.

فمثلاً، تمارس الهيئة العامة للاستثمار دوراً ترويجياً عبر اقناع الشركات الأجنبية بالقدوم للمملكة، ولكن لم لا يكون هناك أدوات إضافية لاستقطاب الشركات التي تمتلك عناصر تعزز التنويع الاقتصادي؟

ولعل أحد أهم هذه الأدوات توفير حوافز مالية والدخول في شراكات معها، وقد يقول قائل إننا فعلنا ذلك منذ زمن عندما استقطبنا كبريات شركات البتروكيماويات للاستثمار في الجبيل وينبع.

نعم، لكن الحديث هنا عن الاستقطاب لقطاعات وأنشطة اقتصادية متعددة بالتوازي وعدم الاكتفاء بكبريات الشركات بل التوجه كذلك للشركات الناشئة والمتوسطة ما دامت تملك عنصراً يساهم في تعزيز النمو وتوفير فرص استثمار وفرص عمل «قيمة» للمواطنين. ودور التخطيط واضح برسم أفق واضح لما يجب أن يعمل لتكون عليه هيكلة الاقتصاد المحلي مستقبلاً.

وهنا تتبلور النقطة، وهي: لابد من العمل تكاملياً باستثمار جزء من فوائضنا المالية في اقتصادنا المحلي من خلال تحديد قطاعات وأنشطة ذات أولوية أو أهمية حرجة، وجلب مستلزمات نجاحها عبر امتلاك تراخيص التقنية والاستحواذ على الشركات ليس بقصد المضاربة وتنمية رأس المال ابتداء بل لزرع شتلات تثمر اقتصاداً: أكثر تنوعاً، وأقل تأثراً بتأرجحات أسعار النفط وتهديدات النفط الصخري.

نقلا عن اليوم