أصحاب المنشآت الصغيره: هل من سبيل للحد من إحباطاتهم؟

05/06/2014 6
د.فهد صالح عبدالله السلطان

عقب طرح مقالي «لا تجر عيوبك»، في «الجزيرة» بتاريخ الخميس 23 رجب، وردتني الرسالة التالية من أحد الشباب المبادرين:

« الدكتور فهد السلطان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. في البداية أنا من المتابعين لك في صحيفة «الجزيرة».

عمومًا أنا قرأت مقالك الأخير واتفق معك.... إليك قصتي: في تاريخ 4- 1434 استقلت من عملي في إحدى الشركات وقرّرت تأسيس مشروعي وحلمي الخاص وهو عبارة عن سوبر ماركت صغير لبيع المواد الغذائيَّة «جملة ومفرق» وكنت من يحاسب الزبائن ويحمل أغراضهم وينظف الرفوف ويرتب البضائع وأحضرت معي عاملاً هنديًا عندما كثر العمل.

وعندما تقدمت بطلب تمويل من مختلف مؤسسات الدولة، ماذا حصل:

1- بنك التسليف: لا نمول المشروعات القائمة.

2- صندوق المئوية: نمول حسب شروط بنك التسليف.

3- ريادة الأعمال: لا نمول المشروعات القائمة.

4- كفالة: أن يكون المشروع من الأنشطة التي يمولها البنك، أن يكون ذا قيمة مضافة للاقتصاد الوطني. تريد أنشطة تجاريَّة محددة وتريد مؤسسات قائمة من 3 سنوات حتَّى تمولها.

وأذكر عندما تشأجرت مع أحد مسؤولي البنك وقلت له: أنا ومثلي كثيرون نحن القيمة المضافة للوطن متى ما تَمَّ دعمنا.

5- البنوك: لا يمولون المؤسسات الفردية وإن حدث فالشروط تعجيزية. ولقد رفعت برقية لوزير المالية. إلى من اتجه بعد الله وأنا لا استطيع أن أحصل على قرض في وطني مع وجود هذا الزخم الإعلامي الكبير لإعلانات الممولين.

والله لم أترك ما يمكن عمله إلا وشرحته للبنوك ولم أجد ما يمنع من التمويل إلا الشروط المطاطة وترك الحبل على الغارب للبنوك. أنا أرى حلمي وشقاي يضيع والسبب تعثر منشآتي ماليًّا، أين أذهب؟ هل مطلوب مني أن أتوسل للمسئولين؟ هل مطلوب مني أن أتوسل للتجار الكبار؟ هل مطلوب مني أن أخسر مستقبل ولدي وزوجتي بسبب بيروقراطية عقيمه أو هل مطلوب مني أن أحصل على حقي بالتوسل لأصحاب الوجاهة الكبار؟ وهل هذه أصبحت الآن الطريقة الوحيدة لنيل الحقوق والواجبات؟ هل تعلم أن لديّ موعدًا في شرطة الحي يوم الأحد 26-7-1435 بسبب شكوى من مالك العقار بسبب الإيجار المستحق دفعه.

تخيل لو يطلب إخلاء المحل عندها سأقول للجميع: عندما ترى حلمي ومستقبل عائلتي يضيع وأن مصيري السجن بسبب بيروقراطية الجهات الممولة وتعنتها، عندها يمكن أن يتحوّل هذا الشاب إلى خارج عن القانون». انتهى كلامه.

هذا نص الرسالة التي وردتني من الشاب المبادر. مع احتفاظي باسمه. وبداية أقول: إن الخروج على القانون أمر غير مقبول مهما كانت الأسباب.

ولكن من باب الانصاف فإنّ الموضوع جدير بالاهتمام ويستحقُّ وقفة جادة مع تلك الأجهزة البيروقراطية التي قد تفضي أعمالها غير المسؤولة إلى مآلات غير مقبولة على الوطن والمواطن.. يبدو أن الشكوى من بيروقراطية الجهات المعنية بتمويل المؤسسات الصغيرة، ومطالبتها للصغار بشروط تعجيزية لا يحقِّقها إلا الكبار أمر تكرر بشكل لافت للنظر.

حيث وقع هؤلاء بين فكي كماشه إما أجهزة ومؤسسات تمويلية حكومية بيروقراطية أو بنوك تجاريَّة تميل لصالح الأغنياء والشركات الكبيرة وتهتم بهم فقط.

الأمر الذي حد من قدرات أصحاب المنشآت الصَّغيرة والمبادرين وربما تسبب في احباط الكثير منهم وأوقعهم وأسرهم في معضلات وإشكالات خطيرة عليهم وعلى أمن الوطن. وحرم الاقتصاد الوطني من مبادرات وأنشطة تجاريَّة خلاقة.

وللعلم فإنَّ نسبة القروض الممنوحة للمؤسسات المتوسطة والصَّغيرة في المملكة تساوي 3 في المئة من إجمالي القروض المصرفية الممنوحة والبالغة 1.1 تريليون ريال بينما تبلغ في الدول الناشئة 20 في المئة وفي الاقتصاديات المتقدِّمة 25 في المئة.

ونظرًا لأن السياسة العليا للدولة اقتضت وأكَّدت على دعم وتمويل المؤسسات المتوسطة والصَّغيرة وأنشأت لذلك صناديق ومؤسسات تمويلية.

فإنني اعتقد أنه حان الوقت لمطالبة تلك الجهات بالإفصاح عن أدائها خلال الخمس سنوات الماضية حتَّى تتضح الصورة بشكل جلي، إما أن تكون دعاوى أصحاب المؤسسات الصغيرة في غير محلها أو أن يتضح تقصير تلك المؤسسسات التمويلية وعدم قيامها بمسؤولياتها، وبالتالي يكون ولي الأمر على علم بتحقيقهم للأهداف السامية التي أمر -حفظه الله- بإنجازها.

المؤسسات الصغيرة تمثِّل أكثر من 90 في المئة من المؤسسات التجاريَّة وهي عماد الاقتصاد الوطني ومحركه، والقائمون عليها هم أبناء الوطن وعماده ويمثِّلون الطبقة المتوسطة فيه التي هي محور استقراره.

وبالتالي فإنه من غير المناسب تركها بين بيروقراطية الأجهزة العامة وجشع البنوك التجاريَّة.

والله من وراء القصد..

نقلا عن الجزيرة