تطوير نموذج النمو الاقتصادي

23/04/2014 0
د. حسن العالي

يلاحظ خبراء استمرار تزامن النمو الاقتصادي الملحوظ في دول المجلس مع استمرار بقاء مشكلة البطالة في صفوف المواطنين، حيث يرجعون ذلك إلى الحاجة لتطوير أنماط النمو الاقتصادي وخاصة على صعيد توفير الوظائف المناسبة لمئات الآلاف من الشباب الخليجي، وأصبح من الضرورة التفكير الجدي في إعادة هيكلة نمط النمو الاقتصادي الخليجي بهدف الانتقال من مرحلة الدول النامية الى مرحلة الدول النامية حديثة التصنيع، وهي مرحلة انتقالية تأتي قبل مرحلة الدول الصناعية المتقدمة.

إن ما حققته اقتصاديات دول المجلس خلال العقود الأربع الماضية انعكس على تطور وتقدم مؤشرات التنمية البشرية والاقتصادية، إلا أن عناصر نجاح هذا النموذج باتت تستنفذ، وهذا ما أكدته الدراسات الماكرو - اقتصادية التي أجريت مؤخرا وأوضحت ان نمط النمو في هذه الدول ارتبط بشكل أساسي بنمو العمل الذي اعتمد بدوره على تدفق العمالة الأجنبية - وأغلبها من العمالة غير الماهرة، حيث شهدت تلك العقود زيادة في العمالة الأجنبية في أسواق العمل بدول الخليج بمعدلات مرتفعة، فارتفع حجم هذه العمالة من 12ر1 مليون عام 1975 الى 7ر7 مليون عامل عام 1990 وليصبح نحو 11 مليون عامل عام 2006 ثم نحو 17 مليونا عام 2013. وتمثل العمالة الأجنبية – في المتوسط – 60 الى 80% من إجمالي العمالة بدول الخليج العربي. لذلك، فإن نسبة العمالة الأجنبية في سوق العمل الخليجي قد وصلت إلى حدها الأقصى، ولا يمكن الاستمرار في نمو هذه العمالة دون أن تتعرض الكيانات الاقتصادية والاجتماعية لمخاطر جسيمة. لذلك لم يكن غريبا أن شهدت اقتصاديات دول الخليج خلال العقد والنصف الماضي ظهور مشكلات البطالة وتذبذب معدلات النمو وتراجع الاستثمار وضعف الإنتاجية الكلية، وفوق ذلك أدى العجز عن الإدارة الصحيحة لسوق العمل إلى أن تتحول العمالة الأجنبية إلى أداة إغراق اجتماعي ارتبطت بها الكثير من المشاكل كتشجيع القطاعات كثيفة العمالة ذات الأجور المنخفضة والإنتاجية المتدنية.

وهنا تبرز أهمية الدعوة لاعتماد سياسات لتطوير الجوانب الاجتماعية المتصلة بنماذج التنمية الاقتصادية بدول المجلس، وهي وضع استراتيجية واضحة للتنمية الاجتماعية وتبني سياسات الماكرو اقتصادية (معدل نمو اقتصادي مستديم ومعدل بطالة منخفض واستقرار الأسعار) وإعادة هيكلة سوق العمل وتعزيز البنية المؤسسية للأنشطة الاقتصادية غير المنظمة ومكافحة الفقر. 

كما أن إعادة هيكلة سوق العمل في دول المنطقة يجب أن ينطوي على التعامل مع ثلاثة تحديات أساسية وهي السبل المختلفة لإعادة هيكلة سوق العمل، وثانيا دور القطاع الخاص في توظيف الأيدي العاملة المحلية، وثالثا دور التدريب في إيجاد عمالة ماهرة وموائمة لإعادة هيكلة سوق العمل.

وفيما يخص القضية الأولى وهي الخاصة بالسبل المتاحة لإعادة هيكلة سوق العمل، يلاحظ أن سوق العمل -كأي سوق آخر- له جانبان: جانب العرض وجانب الطلب. وإعادة هيكلة سوق العمل تعني بالتالي اتخاذ إجراءات لتنظيم كلا الجانبين. ففي جانب العرض، تطال الإجراءات التنظيمية تطوير أنظمة ومناهج التعليم وتطوير وتعزيز معاهد التدريب ولاسيما معاهد العلوم التطبيقية، كذلك تنظيم استيراد الأيدي العاملة الأجنبية وتوظيفها والقضاء على ظاهرة العمالة الأجنبية السائبة أو يطلق عليها في بعض دول المجلس بالفري فيزا ووجود قرار على أعلى المستويات لإنهائها، وأيضا التعامل مع القضايا الخاصة بزيادة معدلات مساهمة المرأة في العمل ودراسة الأنماط والتقاليد الاجتماعية وتأثيرها على عزوف الشباب عن بعض الوظائف المتوفرة. 

أما في جانب الطلب، فإن إجراءات التنظيم يجب أن تشمل رفع معدلات الاستثمار والنمو الاقتصادي لخلق مزيد من الوظائف الجديدة وتطوير وتعزيز الأنشطة الاقتصادية المولدة للوظائف للأيدي العاملة الوطنية، وليس تلك المولدة للوظائف الرخيصة فحسب، واتخاذ الإجراءات الضرورية الخاصة برفع كفاءة وإنتاجية العمالة الوطنية ودرجة تدريبها ومهارتها، كذلك اتخاذ الإجراءات الضرورية الخاصة بتحسين أجور ورواتب العمالة الوطنية.

إن الهدف من إعادة هيكلة سوق العمل هو خلق انسجام بين جانبي العرض والطلب بحيث يلبي المعروض من الوظائف احتياجات الطلب عليها، وليس كما هو حاصل حاليا، حيث إن هناك عرضا من الوظائف ولكن لا يلبي احتياجات الطلب.

وفيما يخص القضية الثانية، وهي دور القطاع الخاص في توظيف الأيدي العاملة الوطنية، فإن الخبراء يرون أن أسباب ضعف مشاركة القطاع الخاص في العديد من دول المنطقة في علاج مشكلة البطالة مرده بالأساس للعديد من المشاكل التي يعاني منها هذا القطاع، والتي تضعف حجم ومساهمة دوره في إجمالي عجلة التنمية، وعلى سبيل المثال غياب الاستراتيجيات  الواضحة حول التنمية ومستقبل الاقتصاديات الخليجية، كذلك ضعف مساهماته في صياغة برامج التنمية والتشريعات الاقتصادية، علاوة على المشاكل التي يعاني منها في العديد من القطاعات ولا سيما في القطاعات الصناعية والسياحية والإنشائية، وكذلك غياب الشفافية والرقابة الإدارية ووجود البيروقراطية، لذلك فإن التعامل مع المعوقات المذكورة أعلاه وإيجاد حلول مناسبة لها سوف يسهم في تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في الاقتصاد الوطني وبالتالي في توفير الوظائف.

وفيما يخص القضية الثالثة ذات الصلة بإعادة هيكلة أسواق العمل، وهي دور التدريب في إيجاد عمالة ماهرة وموائمة لإعادة هيكلة سوق العمل، فإن تحقيق هذا الهدف يجب أن يرتبط بوضع استراتيجية واضحة للتدريب تقر على أعلى المستويات، وتوضع على أساس الرؤية الاستراتيجية للتنمية المفترض رسمها، وتلبي احتياجات الأنشطة والمشروعات الاقتصادية ولاسيما تلك المتعلقة بأنشطة الاقتصاد الجديد التي تتعاظم توجهات الدولة الخليجية نحو تبنيها، كما يرتبط ذلك بإيجاد تنسيق بين مؤسسات التعليم (المدارس والمعاهد المهنية والجامعات) ومؤسسات التدريب وتطوير معاهد التدريب من كافة النواحي، وإدخال معاهد وبرامج تدريبية جديدة (مع توفير الحوافز الضرورية) التي تلبي احتياجات التنمية والأنشطة الاقتصادية ولاسيما المعاهد التدريبية الفنية والتكنولوجية.

نقلا عن جريدة اليوم