السياسة النقدية الأميركية في مواجهة محاذير عالمية

17/04/2014 0
عامر ذياب التميمي

يترقب اقتصاد الولايات المتحدة واقتصادات العالم، المتقدمة منها والناشئة والنامية، تاريخ رفع مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي (المركزي) سعر الحسم وإنهاء سياسة الإنعاش النقدي لما للخطوة من تداعيات أميركية وأوروبية وعالمية.

وتنقل تقارير أن المجلس سينتظر ستة أشهر أخرى كي يطمئن إلى تجاوز الاقتصاد الأميركي الركود قبل أن يراجع سياسة الإنعاش.

وسبق للمجلس أن قلص العمل ببرنامج الإنعاش النقدي المعروف باسم «التيسير الكمي» والذي تضمن شراء سندات الدين الحكومية لضخ مزيد من السيولة في النظام المالي.

وكان متخصصون في السياسات النقدية متحفظين عن تقليص «التيسير الكمي»، وطالبوا بالاستمرار في العمل به حتى مطلع 2016، والآن بعد تقليصه، لا يرون ضرورة لرفع سعر الحسم قبل نهاية 2015، معتبرين فترة الأشهر الستة لن تكون كافية لاختبار أداء الاقتصاد وقدرته على مواجهة الضغوط التي تراكمت منذ بداية الأزمة المالية في 2008.

ويرى اقتصاديون أن الأوضاع الاقتصادية في أوروبا، خصوصاً بعد تفاقم أزمة أوكرانيا، قد تزداد تعقيداً نظراً إلى الأعباء التي تستحق على الأوروبيين من خلال المساعدات والقروض التي سيمنحونها إلى أوكرانيا لمساعدتها في تحمل الأعباء التي تفرضها روسيا عليها، ناهيك عن أن اقتصادات أوروبا ما زالت تعاني نمواً هشاً.

ومن أهم المشاكل التي تواجه الاتحاد الأوروبي تلك المتعلقة بأوضاع المصارف والمؤسسات المالية في بلدان منطقة اليورو.

ويعتقد مسؤولون في المصرف المركزي الأوروبي بأن هذه المصارف، على رغم تعافيها إلى درجة مهمة، يجب أن تراجع موازناتها والهندسة المالية التي تعتمدها إذ ثمة ضرورة لإعادة رسملة عدد من المصارف، فيما لا بد من تمكين المصارف من التحرر من الأصول السامة بما يؤدي إلى تعزيز قدرتها على توفير التمويل للشركات والمؤسسات العاملة في مختلف القطاعات الاقتصادية.

ويرى هؤلاء أن خفض سعر الحسم إلى ما يقارب الصفر ما زال بعيداً عن تحقيق الحفز المناسب للنشاط الاقتصادي العام.

ولكن ثمة مؤشرات إلى إمكانيات للتعافي، فاليونان، على رغم مصاعبها الاجتماعية والسياسية، باعت سندات حكومية جديدة تبلغ قيمتها 11 بليون يورو بسعر فائدة يقارب خمسة في المئة.

ومكن الطلب القوي على هذه السندات من توجيه رسالة مفادها بأن سياسات التقشف التي اضطرت الحكومة اليونانية إلى اتباعها لسنوات ساهمت في إعادة الثقة في قدرات البلاد على مواجهة التزامات الدين السيادي.

ويأتي هذا التطور وسط تحذيرات من اقتصاديين ورجال أعمال بأن اليونان لن تتمكن من مواجهة الالتزامات إلا بالاستمرار في تبني السياسات التقشفية الراهنة ولزمن قد يتجاوز 2020.

وما زالت البيانات والإحصاءات تثير كثيراً من الغموض حول اتجاهات الاقتصادات الأساسية.

مثلاً ارتفعت أعداد الوظائف في الولايات المتحدة 192 ألف وظيفة، ولكن معدلات الأجور لم تتحسن بما يمكّن من رفع الاستهلاك بدرجة مهمة.

ولا بد من أن هذه المؤشرات تشكل مصدر قلق للعديد من صانعي القرار ومؤسسات الأعمال في البلدان المصدرة للسلع والبضائع إلى الولايات المتحدة مثل بلدان الاتحاد الأوروبي أو الصين أو اليابان أو كوريا الجنوبية أو عدد من بلدان أميركا اللاتينية.

يمثل سوق الولايات المتحدة أهم الأسواق التصديرية لتلك البلدان ولا بد من أن المؤشرات الاقتصادية الأساسية محط أنظار المسؤولين فيها.

ويواجه الاقتصاد البريطاني أيضاً عدداً من المشاكل إذ أوضحت بيانات أن العجز في الميزان التجاري لشباط (فبراير) بلغ 2.1 بليون جنيه إسترليني.

وتكمن مشكلة بريطانيا هنا في تراجع الصادرات إلى السوق الأوروبية التي تعتبر أهم سوق تصديرية للمملكة.

وتواجه حكومة المحافظين والأحرار مشاكل أساسية بعد تبني سياسات تقشفية غير شعبية في ظل أوضاع اقتصادية دولية غير مواتية لتحسين الصادرات ومن ثم حفز القطاع الصناعي.

وتواجه الصناعات البريطانية مشاكل هيكلية منذ زمن طويل إذ تتدنى درجة الميزات النسبية لكثير من تلك الصناعات مقارنة بصناعات أوروبية أو آسيوية. وإذا أراد البريطانيون أن يتمتعوا بقدرات تنافسية فإن عليهم الاستثمار في أعمال الإبداع والابتكار والسيطرة على التكاليف والارتقاء بالجودة.

قد لا تكون الأوضاع الاقتصادية في البلدان الصناعية الرئيسة في حال صعبة، كما كانت عليه الحال في 2008، إلا أن الأمور ما زالت غير مطمئنة.

ويتعين على صناع القرارات المالية والنقدية تبني برامج أكثر حفزاً للنشاط الاقتصادي بموازاة عمليات التحكم بالإنفاق وأساليب التمويل.

وإذا كانت سياسات الحفز أدت نجاحات محددة فيجب الاستمرار في تبنيها إلى أن ترتفع معدلات النمو إلى مستويات معقولة، مثل أن تتجاوز الثلاثة في المئة، وأن تنخفض معدلات البطالة إلى ما دون الستة في المئة في الولايات المتحدة أو دون الثمانية في المئة في بلدان منطقة اليورو.

ولا شك في أن الاستمرار في السياسات النقدية المحفزة يجب ألا يثير مخاوف من ارتفاع معدلات التضخم فالمعدلات ما زالت متدنية، إذ بينت أرقام أوروبية أن المعدل السنوي للتضخم في آذار (مارس) لم يتجاوز 0.5 في المئة في بلدان منطقة اليورو.

ولم يزد معدل التضخم في الولايات المتحدة، كما بينت أرقام شباط (فبراير) عن 1.1 في المئة. وتؤكد هذه البيانات أن معدل النمو في الاستهلاك في هذه البلدان ما زال دون التوقعات.

نقلا عن جريدة الحياة