الهيئة العامة للأراضي

16/04/2014 0
د. إحسان بوحليقة

لدينا وزارة للزراعة وأخرى للإسكان وثالثة للمياه والكهرباء والعديد من الهيئات التنظيمية، ولعل من الملائم استحداث هيئة عامة للأراضي؛ لتعظيم الفائدة والمردود من هذا المورد الحيوي ولجمع شتات تنظيماته على المستوى الوطني وفي المناطق والمحافظات والمراكز والقرى والهجر.

نحن ندب على وجه الأرض دباً منذ الولادة حتى يحل الأجل المحتوم، ولا تقوم زراعة أو صناعة أو أي نشاط انساني آخر إلا وللأرض نصيب منه بصورة أو بأخرى. 

وما دمنا في سياق الحديث عن تنظيم استغلال الأرض بما يعزز التنمية والنمو ويحقق الرفاه في المملكة، فمطلوب ألا يكون ذلك مقتصراً على هذا الجيل، بل لا بد أن تصاغ التنظيمات وتنفذ بما يحقق الاستدامة.

وقبل أن نتناول الاستدامة فلننظر في سلسلة القيمة للأراضي المخصصة للسكن، التي تبدأ بأن يبيع أحدٌ أرضاً خاماً على من يطورها ثم تباع على من يتاجر بها ثم لتباع على مَن سيستخدمها وكثيراً ما تستخدم الأرض كوعاء للمضاربة والتربح عبر انتقالها من يد ليد ليدفع لكل ذلك الحلقة الأضعف (من حيث الثراء والملاءة المالية) وهو المواطن الذي يريد أن يمتلك مأوى لأسرته! فلماذا لا تصل الأرض المطورة مباشرة لمستخدمها الفعلي؟ إذ أن كل حلقة تُضيف بعض القيمة يقابلها تكاليف وهامش الربح!

الحديث هنا ليس عما فات بل عما هو آت؛ ولا سيما ما يتعلق بالمفاهيم الأساسية للاستدامة، فجميعاً ندرك ونقرّ أننا جيل، قبله أجيال فاتت، وستأتي بعده -بإذن الله- أجيال لتمارس حياتها فوق هذه الأرض. وفكرة الاستدامة تقول بأن نفسح لمن سيأتي مجالاً.

وليس في هذا تنظير أو مثالية، بل هو أمرٌ ينسجم مع هوسنا جميعاً بأن نورث شيئاً لأعقابنا، وكل ما يتطلبه تخطيطاً.

لقد شهدنا ما يمكن أن يحدث عندما تقَصرُ التنمية عن مجاراة تكاثر السكان واتساع نشاطهم الاقتصادي ودأبهم الاجتماعي؛ فلازلت أتذكر المدرسة المتوسطة في الهفوف حيث درست، فقد كانت مدرسة حكومية بهية مزودة بكل ما يمكن أن يحتاجه الطالب والمعلم، ثم أتى جيل لاحق قضت شريحة منه سنوات دراستها كلها أو جلها أو بعضها في بيوت مستأجرة تضيق بهم وتقصر عن تلبية أحلامهم فضلاً عن عدم مؤازرتها للعملية التربوية.

وحتى عندما حضر المال، عايشنا كيف تبحث إدارات التعليم عن مواقع لبناء مدارس وسط تساؤل الجميع: كيف تُعتمد مخططات سكنية بدون أن تخصص أماكن للمرافق التعليمية والصحية والأمنية؟ لكن المخططات كانت تُخصص أراضي للمرافق، لكنها كانت تباع ثم تشترى من جديد! 

السؤال إذاً: كيف نتأكد أننا سنتمكن من الوفاء باحتياجات الجيل القادم من أراضٍ صالحة لإقامة مساكن ومرافق أساسية؟ وليس مطلوبا لتحقيق ذلك أي جهد خارق، بل ينطوي ضمن التحضيرات التنموية للثلاثين عاما القادمة، أي لنقل حتى العام 2040. ولماذا علينا الاستعداد للثلاثين عاما القادمة؟ حتى لا تضطر إدارات التعليم مجدداً لاستئجار مدارس، ولا أن تلجأ إدارات الصحة لجعل الفلل السكنية مستوصفات ومراكز رعاية صحية أولية.

وهذا التخطيط التنموي لثلاثة عقود أو للنصف قرن القادم أساسي، لاعتبارات عدة، منها الاطمئنان لتواصل التنمية والارتقاء بالازدهار لأعقابنا، فيكون بوسعهم تشييد بيوتهم ومدارسهم ومستوصفاتهم ومستشفياتهم وملاعبهم وحدائقهم دون إعاقة قد تنتج من عدم وجود أرض ملائمة. 

الفرصة ميسرة أمامنا الآن للتهيئة لذلك، بأن نخطط له وننفذ تلك الخطط ونوجد هيئة عليا لتراعي الأراضي وتنظم استغلالها وتفرزها للاستخدامات على تنوعها بما يحقق أفضل عائد للوطن ولأهله.

ولمن درج على المقولة المعلبة «لسنا بحاجة لهيئات» أقول: إن رعاية الموارد الغالية لن تتحقق إلا من خلال حلول مؤسسية ترتكز في عملها لسياسات ونظم ولوائح مستقرة، كما أن التخطيط يجعل التنفيذ أقل تكلفة وأسرع اكتمالاً.

ثم إن التهيئة للمستقبل ستزيح عن أعقابنا أعباءً، بما يتيح لهم سعة من الوقت والمال لمواصلة مشوار النمو لتحقق بلادنا أعلى المراتب تقدماً وازدهاراً ورفاها.

نقلا عن جريدة اليوم