اقتصادنا يبحث عن بياناته

08/04/2014 0
د. إحسان بوحليقة

ما النمو الاقتصادي المستهدف؟ بل هل لدينا نمو مستهدف؟ نعم لدينا للمدى المتوسط والطويل، وهي أرقام منشورة في وثائق الخطط الخمسية المتتابعة، كما أن النمو على المدى الطويل كذلك نشر للعلن، وبوسع أي منكم أن يزور موقع وزارة الاقتصاد والتخطيط وسيجد الأرقام معروضة في جداول أنيقة.

بالأمس عقدت مؤسسة النقد العربي السعودي ورشة عمل حول نماذج التنبؤ الاقتصادي.

ورغم أننا لم نمكث أكثر من ثلاث ساعات، إلا أن روحاً جميلة عمت المكان، فقد كان يعج بالاقتصاديين السعوديين الشباب، العديد منهم تخرج للتو من برنامج الدكتوراة، لكن الحماس والجدية بأن نبني رؤية اقتصادية للمستقبل كان سائداً.

والنمذجة جزء مهم لإجراء أي تحاليل اقتصادية ذات معنى، وبدونها يصبح التحليل أقرب إلى التنجيم. ولم يفت مؤسسة النقد أن تدعو اقتصاديين والمهتمين بالنمذجة الاقتصادية من خارج المؤسسة لإثراء النقاش بين الطرفين.

لا بد من القول إن العديد منا، سواء في الجهات الحكومية أو البنوك التجارية أو المراكز الاستشارية، لدينا نماذج تتراوح بين البدائية والمتطورة، لكنها تقبع في جزر معزولة عن بعضها البعض.

ولا أنادي بان تدمج، ولكن مفيد تتبادل وجهات النظر حول النماذج الاقتصادية الرئيسية القابعة في أماكن قصية في الوزارات، وخصوصاً وزارة الاقتصاد والتخطيط، ولا بد من الإقرار بأن مبادرة مؤسسة النقد بعقد ورشة العمل والدخول في صلب الموضوع مباشرة قربت المسافات وأذابت أطناناً من الجليد.

لكن السؤال يبقى: هل من نموذج للتنبؤ الاقتصادي أو نموذج اقتصاد-قياسي هو المعتمد لترجمة الرؤية الوطنية لاقتصادنا الوطني إلى أرقام وتوقعات؟ وماذا يحدث عندما تتعارض مخرجات النماذج؟ أعود لأقول إني لا أدعو إلى توحيد النماذج، أبداً، ولكن لا بد من حد أدنى من التنسيق، والحد الأدنى من التنسيق هو أن يعرف المهتمون وأصحاب العلاقة ما الذي ينتجه النموذج، وما هي منهجيته وهيكليته وافتراضاته الرئيسية والعلاقات بين معادلاته وما الناظم لها. لماذا؟ لأنه ليس من المصلحة في شيء أن يبقى النموذج حبيس غرفة وتمتد له أياد قليلة لتغذيته والاستفادة من مخرجاته.

بل ان الأدهى والأمر أن يبقى جيل من الاقتصاديين والمتخصصين في النمذجة من المواطنين بعيدين عن الالمام بالمخرجات الرئيسية.

ليس لدي تحفظ على الاستعانة بالخبراء والمتخصصين وحتى غير الخبراء وغير المتخصصين، فثلث سكان البلاد من الوافدين، بل النقطة التي أسعى لأن أبرزها هي من شقين:

ان الفرصة يجب أن تتاح للمتخصصين الشباب من أبناء الوطن لتولي أمر هذه النماذج لاكتساب الخبرة وللتمكن من تطوير النموذج وفهم تفاصيل بنائه، أما الشق الثاني، ان المخرجات يجب أن تناقش مع مجموعة من الخبراء من أصحاب الاهتمام والاطلاع، من باب التيقن من سلامة المخرجات، لاسيما أن هؤلاء هم من سيقومون بإجراء التحليلات المتنوعة التي ستصل في نهاية المطاف إما لمتخذي القرار على تفاوت اهتماماتهم وصلاحياتهم أو لشرائح من المهتمين في القطاع الخاص أو الأكاديمي أو المستثمرين أو للعرض في المطبوعات وقنوات عرض الرأي على تنوعها.

ولعل الشق الثاني هو ما يستحق المزيد من الاهتمام، فهو ينطوي على تنمية الوعي الاقتصادي المرتكز إلى بيانات عالية الموثوقية وتحاليل منهجية، فمع تغييب المعلومة أو التقتير في نشرها ستجد من يستغل الفراغ، وهذا ما نلاحظه هذه الأيام من أحاديث مرسلة حول أسعار الأراضي وحول سوق الأسهم، ولن تجد رادعاً لمن يلقي بالتنبؤات على عواهنها إلا إتاحة المزيد من البيانات والمعلومات والنشرات والأبحاث عن اقتصادنا الوطني برمته وعلى مستوى القطاعات والأنشطة الاقتصادية، وإلا ستنهكنا الفذلكات المرتكزة إلى المزاجية والانطباعية أكثر من ارتكازها إلى جهد جاد رصين.

نقلا عن جريدة اليوم