لا تغضب أن النفط هو 90% من دخل الدولة (1-2)

19/02/2014 12
مازن السديري

أظهرت نتائج الميزانية استمرار اعتماد الدولة على تصدير النفط كمصدر أساسي لدخلها بنسبة 90%، وهي تقريبا نفس متوسط النسبة لدخل الدولة منذ عشر سنوات، وأثار استمرار هذه النسبة استياء المتابعين وتخوف المراقبين لاعتماد أغنى بلد عربي على مصدر دخل وحيد وبدون أي تنوع, لكني لا أرى ذلك مخيفا؛ الاعتماد على النفط كدخل؛ بل أراه ضروريا لسنوات.. ولكن المخيف هو شيء آخر.

ما يخيفني هو أنه حتى الآن لا تزال نسبة الصادرات غير النفطية متواضعة من مجوع الصادرات السعودية منذ العام 2006م، وإن كانت قد نمت بمتوسط 12% ولكنها كمتوسط لا تتجاوز 14.4% من مجموع الصادرات السعودية، وهذا العيب موجود في المنطقة ككل للأسف، وبمقارنة بالدول غير المتقدمة بل النامية مثلا من مجموع خمس دول من أوروبا الشرقية وهي التشيك وهنغاريا وبولندا وروسيا الفدرالية وتركيا، ومجموع تعدادها السكاني 270 مليونا يساوي العالم العربي، فإن مجموع صادراتها غير النفطية يفوق خمس مرات صادرات العالم العربي غير النفطية، ولو نأخذ تكتلا ناميا آخر مثل بوليفيا والبرازيل وتشيلي والمكسيك فإن صادراتها غير النفطية تفوق العالم العربي ثماني مرات.

ما أريد قوله أن المملكة العربية السعودية هي دولة في وسط منظومة دول تعتمد على النفط في تصديرها، ولو تأثر هذا المصدر الوحيد فإن المنطقة كلها سوف تنهار لمستوى أكثر مما هي فيه الآن.. اقتصاديات الدول المجاورة لها دور مهم في التطور الاقتصادي من حيث انتقال رؤوس الأموال والخبرات، فمثلا لا أحد ينكر دور وجود وقرب مؤسسات الولايات المتحدة وعلى رأسها الجيش من نهضة دول شرق آسيا، وكذلك دول أمريكا اللاتينية وما بين شرق أوروبا وغربها، وهذا غير موجود بالنسبة للدول المجاورة لنا، هذا ما يحث جميع الدول العربية غير النفطية على الوقوف مع جاراتها المصدرة ضد أي محاولة دولية لفرض غرامات على تصديرها النفطي تحت شعار حماية البيئة، وأن يستوعب العالم هذه الحقيقة عن المنطقة، مع العلم أن صناعة الطاقة في كثير من الدول المتقدمة مضرة أكثر للبيئة مثل الوقود الحيوي (انبعاثه الكربوني أكثر من النفط) وهو ما يقدر أن يصل إلى 10% من مجموع استهلاك المركبات في الولايات المتحدة واستخراج الوقود الصخري، وكذلك الغاز الصخري وما يصاحبها من غازات سامة في الولايات المتحدة، وهو اقتصاد أكثر تنوعا وأضخم بالحجم (يساوي حجم الاقتصاد السعودي ثلاثين مرة).

طبعا زيادة الصادرات غير النفطية لا تعني زيادة دخل الدولة غير النفطي - بشكل مباشر - ومن أجدى الطرق هي فرض الضرائب، ولكن الاقتصاد السعودي في طور النمو ومن المبكر إدخال الضرائب فيه، وهذا ما حدا بالسعودية للاستفادة من المشاريع المدعومة عبر الشراكة، وليس عبر فرض الضرائب، وهذا هو التوجه الطبيعي حاليا بحيث لا تضغط الضرائب على النشاط الاقتصادي ودخل الفرد.

لكن من زاوية أخرى زيادة الصادرات غير النفطية هي دعامة للحفاظ على كفاءة الميزان التجاري، ويجب أنت يكون حجر الزاوية للاستثمارات الأجنبية من أجل الخبرة وهذا الأهم.. النفط والغاز حمل ثقيل للدول المنتجة لها أو المستوردة، وتقليصه يستغرق جهدا طويلا، مثلا الهند تعاني من استيرادها للنفط، والصين وصل استيرادها إلى أكثر من ستة ملايين برميل، واليابان برغم برنامج الضخ النقدي لكن نموها الاقتصادي تأثر بزيادة استيراد النفط، والولايات المتحدة - كما ذكرت - لجأت للنفط الصخري والغاز الصخري وتدعم الوقود البيولوجي غير المجدي اقتصاديا رغم أضرارهما البيئية لتخفيف أثر الاستيراد للطاقة.

السعودية لا تمتلك تنوع هذه الدول من قاعدة مبنية على التقنية ومراكز الأبحاث، وصادرات لا تعتمد على الموارد الطبيعية، وقاعدة عامة للاستهلاك المحلي، لكن لابد أن تعمل عليه، ولو وصلت إلى رفع نسبة تصدير المنتجات غير النفطية إلى 30% من مجموع التصدير و20% من دخل الدولة في العشر السنوات عبر تطوير التقنية والمعرفة والشراكات العلمية الخارجية فهو إنجاز غير مستحيل، وهذا غير سهل وغير مبالغ فيه، ولكن ما هي الموانع؟.. هذا في مقال الأسبوع المقبل.

نقلا عن جريدة الرياض