هل تسمح أمريكا بتصدير نفطها؟

21/01/2014 1
د. سليمان الخطاف

منعت الحكومة الأمريكية في عام 1975م تصدير النفط الى خارج قارة امريكا الشمالية، وذلك من أجل ألا يحدث نقص فى موارد الطاقة كما حدث فى عام 1973م، وبنفس الوقت أنشأت الخزن الاستراتيجي للبترول بطاقة استيعابية 700 مليون برميل.

إلا ان النمو الكبير فى انتاج النفط في الولايات المتحدة بدأ يؤثر على مشهد الطاقة فى امريكا وبدأنا نشهد تحولا كبيرا فى مكانة الولايات المتحدة، كأحد اكبر منتجى النفط فى العالم.

إذ يتوقع المراقبون ان يرتفع انتاج الولايات المتحدة من النفط الخفيف الممتاز المحتوى على كميات ضئيلة من الكبريت ليصل الى حوالى 9.5-10 مليون برميل يومياً بحلول 2020م، وهذا يعتبر ضعف انتاج عام 2011م، ويعتبر رقما قياسيا يحطم ذروة انتاج امريكا من النفط التى حدثت فى العام 1970م.

والجدير بالذكر ان معظم صناعة التكرير الامريكية قد صممت لتكرير ولمعالجة النفوط الثقيلة والغنية بالكبريت والتى تستورد من خارج امريكا من امريكا اللاتينية ومن الشرق الاوسط، ولذلك تمتلك الشركات الامريكية اكبر قدرة تكسير حفزى وتكسير هيدروجينى وتكسير حرارى بالعالم، حيث تقوم هذه العمليات بتحويل الزيت الخام الثقيل الى مشتقات بترولية ذات مواصفات عالية من جازولين وديزل ونافثا وكيروسين.

وفي نفس الوقت تعتبر قدرة الشركات الامريكية على تكرير النفوط الخفيفة الممتازة والمنتجة من الصخور الامريكية محدودة ولا تتخطى حوالى 8 ملايين برميل باليوم، وهذا يعنى ان هنالك زيادة بالانتاج على حساب قدرة التكرير مما يساهم بانخفاض اسعار النفط بأمريكا، مقارنة بخام برنت الاوروبى والذى قد يصل الفارق ما بين النفطين إلى حوالي 20 دولارا للبرميل لصالح برنت، رغم ان النفط الامريكى يعتبر افضل قليلاً.

فعلى سبيل المثال وصل معدل سعر خام غرب تكساس لآخر ثلاثة أشهر من عام 2012م نحو 89 دولارا للبرميل، أما برنت فوصل سعره للفترة نفسها نحو 110 دولارات للبرميل، أي أن الفارق تعدى 20 دولارا لمصلحة برنت على الخام الأمريكي. ولقد تم بيع حوالى 21 مليون برميل من النفط الامريكى لكندا فى عام 2012م، فى خطوة واضحة لارتفاع الانتاج الامريكى على قدرة التكرير.

ومن أجل ذلك تفكر الشركات الامريكية المنتجة للنفط جدياً بطلب السماح لها بتصدير نفطها فى خطوة تعتبر مثيرة للدهشة. فبعد ان كانت امريكا اكبر مستورد للنفط فى العالم اصبحت تفكر جدياً بإلغاء قرار منع تصدير النفط الامريكى الذى صدر فى السبعينات من القرن الماضى؛ لحماية امريكا من المعاناة من اى ازمة للوقود.

واصبح الان رؤساء شركات النفط الامريكية يتساءلون ان كان بامكانهم تصدير نفطهم خاصة مع الزيادة الكبيرة فى انتاج امريكا من الزيت الصخرى ومع ارتفاع اسعار برنت. 

وفى هذا الإطار قال السيد ريان لانس كبير التنفيذيين فى شركة كونوكوفيليبس: إننا نعيش فى عالم صغير ومترابط ونحتاج الى التجارة الحرة ومن ضمنها القدرة على تصدير النفط. وتريد الشركات الامريكية المنتجة للنفط ان تعامل كمثيلاتها المنتجة للغاز الصخري.

إن النمو الكبير فى إنتاج الغاز الطبيعى الصخرى فى امريكا بعد عام 2010م، جعلها اكبر منتج للغاز الطبيعى بالعالم. ولذلك انخفضت اسعار الغاز الطبيعى فى امريكا نتيجة لهذه الوفرة فى الاحتياطيات وفى الانتاج.

فبعد ان وصلت الى 12 دولار للمليون وحدة حرارية فى عام 2006م، اصبحت الاسعار الان تتراوح بين 3-4 دولارات. بينما تصل اسعارها الحالية فى اسيا (اسعار الغاز الطبيعى المسال) الى اعلى من 18 دولارا للمليون وحدة حراراية وفى اوروبا تعدت سقف 12 دولارا.

لذلك عملت الشركات الامريكية المنتجة للغاز الطبيعى جاهدة للحصول على ترخيص يسمح لها بتصدير غازها على شكل غاز مسال؛ لتزيد من مكاسبها ولا سيما ان الاسعار الحالية فى امريكا لا تشجعها على المضى قدماً فى الاستثمار فى هذه الصناعة.

ولذلك تقدم الى الان للحكومة الامريكية 23 طلباً لمشاريع تصدير للغاز المسال بغرض الموافقة لهم بالتصدير. ولقد سمحت الحكومة الامريكية الى الان لاربع شركات بتصدير الغاز المسال الى اوروبا وشرق اسيا وغالباً ما سيبدأ التصدير فى عام 2015م.

ومن هنا، بدأت الشركات المنتجة للنفط الخام بممارسة الضغوط على الحكومة الامريكية للسماح لها بتصدير النفط الخام مع الوفرة الكبيرة التى حصلت فى انتاج الزيت الصخرى الخفيف. ولكن معارضي فكرة التصدير يقولون: ان تصدير الخام من شأنه ان يرفع سعر الوقود على المواطن الامريكى الى مستويات عالية وهذا امر لا يمكن القبول به.

ومن المعلوم ان سعر النفط الخام يشكل حوالي 72% من سعر الجازولين وقود السيارات، ولذلك ان تم الاستمرار باستيراد المزيد من النفط من الخارج سيؤدى ذلك بالتأكيد الى رفع سعر الجازولين على المواطن. وحتى ان بعض السياسين الامريكيين طالبوا الحكومة بالسماح للشركات بالتنقيب والإنتاج ان تعهدت ببيع النفط المنتج داخل الولايات المتحدة. واصبحت الاصوات تعلو بأن النفط الامريكى يجب ان يبقى للامريكيين، لا ان يباع بأوروبا او اسيا؛ لكى تزيد الشركات من ارباحها.

ولقد استوردت امريكا فى عام 2012م ما معدله 10.6 مليون برميل يومياً من 80 دولة وصدرت ما معدله 3.2 مليون برميل الى كل من كندا والمكسيك لتصبح بذلك محصلة استيراد امريكا من النقط حوالى 7.4 مليون برميل باليوم لعام 2012م. وتشكل محصلة الاستيراد هذه ( 7.4 مليون برميل باليوم) حوالى 40% من الاستهلاك الامريكى وهو الاقل منذ عام 1991م.

وتعتبر كندا اهم الدول المصدرة للنفط لامريكا اذ وصلت محصلة تصديرها فى ذلك العام 2.5 مليون برميل باليوم، وتأتى بعدها المملكة بحوالى 1.4 مليون برميل وبعدها فنزويلا بحوالى 0.87 مليون برميل باليوم.

الحقيقة، إن التصدير قد يفيد الشركات الامريكية التى تنتج المزيد من النفط الخفيف. والغريب ان معظم المصافى الامريكية قد تم تصميمها لمعالجة وتكرير النفوط الثقيلة (من فنزويلا والمكسيك والشرق الاوسط) وذات مستوى عال من الكبريت.

لذلك يرى بعض صناع التكرير الامريكيين انه افضل لهم ان يبيعوا نفطهم الخفيف الى اوروبا او اسيا بسعر عال، وان يستوردوا عوضاً عنه نفطاً ثقيلاً ارخص حيث تقوم مصافيهم الحديثة فى معالجة مثل هذه النفوط.

وقد يقول قائل لماذا لا تبنى امريكا مصافي جديدة تلائم النفط الامريكى المنتج، والاجابة: ان تشييد المصافى عملية باهظة التكاليف حيث يقدر انشاء مصفاة حديثة بحوالي 10-15 بليون دولار، ولذلك يبقى بناء مصاف جديدة خياراً صعباً، خاصة مع صعوبة الحصول على تراخيص تشييد المصافى بأمريكا بسبب حماية البيئة.

وفي الختام، سمحت الحكومة الامريكية بتصدير الكهرباء وكثير من مصادر الطاقة، مثل: الفحم الحجرى، والغاز الطبيعى رغم التقنين والمشتقات البترولية مثل الجازولين والديزل، إلا انها ومنذ السبعينات تعارض تصدير النفط. طبعاً من السهل تفهم موقف الحكومة الامريكية اذا ادركنا ان الانتاج الامريكى وصل وحتى عام 2011م إلى حوالي 5 ملايين برميل باليوم فقط، بينما تستهلك امريكا حوالى 18.5 مليون برميل يومياً ولذلك يبقى هاجس امن موارد الطاقة عند الامريكيين كبيراً وليس من السهولة التغلب عليه.

ولكن غيرت طفرة انتاج الزيت الصخرى الحالية هذا المشهد وبدأت الصورة تبدو غير مبهجة عند منتجى النفط فى خليج المكسيك الذين قد لايجدون من يشترى نفطهم، لان قدرة المصافى لتكرير النفط الامريكى المنتج محدودة، ولذلك يصعب تكرير المزيد.

 إذاً ماذا لو استمر النمو فى تدفق الزيت الامريكى على المصافى الامريكية وهى لا تستطيع التعامل معه، يبقى الحل الوحيد هو تصديره الى اوروبا واسيا العطشى لمثل هذا النفط العالي الجودة. وبكل تأكيد ستبحث الادارة الامريكية خيارات تصدير النفط، كما بحثت خيارات تصدير الغاز الطبيعى المسال وسيأتى قرارها بمصلحة الشركات الامريكية والمواطن الامريكى وهو التصدير المقنن الذى لا يؤثر كثيراً على الاسعار فى محطات الوقود.

الاكيد ان هذا التصدير سيحفز الشركات على إنتاج المزيد من الخام؛ مما يعنى وظائف جديدة ومزيدا من الاكتفاء الذاتى من النفط.

نقلا عن جريدة اليوم