اقتصاديات هيئة مكافحة الفساد

22/12/2013 1
د. أنور أبو العلا

مستحيل أن تتحقق أهداف التنمية في أي بلد من بلاد العالم إذا كان الفساد مستشريا في اقتصادها.

ولكن معالي رئيس هيئة مكافحة الفساد (وهو رجل نزيه وموثوق فيه) صرح قائلا: "عدم تأثير الفساد على التنمية والنهضة الاقتصادية وإقامة المشاريع في المملكة".

هذا التصريح كان مفاجئا – بمثابة الصدمة – لم يتوقع أحد ان يصدر من المسؤول الأول عن مكافحة الفساد ولذا كانت ردة الفعل من بعض الكتاب والمعلقين الدهشة والاستغراب.

لم يكن من الواضح ما هو الدافع لتصريح معاليه.

هل هو التهوين من ضرر الفساد وبالتالي تبرير تهاون (غالبا عجز) الهيئة عن مكافحة الفساد، او انه تراجع عما صرح به توا بان المملكة ليست بمنأى عن ظاهرة الفساد فخشي انه قال أكثر مما ينبغي قوله، او ربما محاولة دفاعية لاستباق ما قد يوجه للهيئة من انتقادات خلال الندوة المنعقدة في معهد الإدارة بعنوان: "واقع الفساد الإداري في المملكة وجهود التغلب عليه" التي افتتحها معاليه.

ثم ادلى فورا عقب الافتتاحية للصحفيين بتصريحه الوارد أعلاه (نقلا بالنص من جريدة الجزيرة الأربعاء 30 محرم 1435).

كذلك بعد أسبوع واحد في ندوة منتدى الرياض الاقتصادي عن الفساد المالي والإداري، حضرها معاليه أكدّت احدى الدراسات ان الفساد الآن أكثر مما كان عليه قبل انشاء الهيئة مما يعني ان الهيئة لم يكن لها تأثير على خفض الفساد بل زاد في عهدها، وهنا كان المتوقع من معاليه او أحد نائبيه (وكلاهما مفوّه) ان يعلق بنفي او على الاقل تبرير عدم تأثير هيئة مكافحة الفساد على خفض الفساد وهذا سيكون أكثر تقبلا للرأي العام من نفي تأثير الفساد على التنمية.

الفساد بحره غويط من الصعب سبر اغواره ولذا سنركز فقط على عناصر تصريح معاليه وهي: تأثير الفساد على التنمية، والنهضة الاقتصادية، وإقامة المشاريع.

إذا كان حقا الفساد لم يؤثر على التنمية لدينا إذن ما هو سبب عدم تحقيق ولو هدف واحد من الأهداف الثلاثة لخطة التنمية الأولى رغم المبالغ الفلكية التي صرفتها حكومتنا الرشيدة على مدى أربعة وأربعين عاما بتمويل من مصدر ايرادات ريعي واحد فبدلا من تنويع مصادر ايراداتنا (وهذا أحد اهداف الخطة) زاد اعتمادنا عليه فحققنا تماما عكس أهداف الخطة.

أما تأثير الفساد على النهضة الاقتصادية فأنا لم اعرف ما هو المقصود بالنهضة الاقتصادية فإذا كان المقصود بها هو كثرة الحركة وازدحام شوارعنا بالسيارات الفارهة واستخدامنا ساهر الآلي بدلا من رجال المرور البشري، واكتظاظ اسواقنا وبيوتنا بأحدث الأدوات والآلات والأجهزة والمعدات ووسائل التكنولوجيا الحديثة فان هذه الظاهرة ليست ناتجة عن نهضة صناعية في بلادنا بل استوردناها جاهزة كتحصيل حاصل لوفرة الأموال لدينا من الدول التي لديها نهضة اقتصادية.

كذلك تأثير الفساد على إقامة المشاريع: المقصود بالمشاريع هو مشاريع البنية التحتية والتجهيزات الأساسية كالطرق والكباري والمستشفيات ومباني الجامعات والمدارس ومقرات الحكومة وهي لو قدرناها بمقدار المبالغ المعتمدة لها سنجد أنفسنا نتساءل بحيرة ليس فقط عن حجم المبالغ الطائلة وكثرة المشاريع المتعثرة بل ايضا حتى المشاريع التي تم إقامتها سرعان ما تكشف لنا الطبيعة (كزخة المطر) مدى هشاشتها حتى أصبح من ضمن اعمال امانات بعض المدن تصريف السحب بالطائرات.

نقلا عن جريدة الرياض