كيف ننمو؟

24/11/2013 1
د. علي بن جاسم الصادق

تمهيد:

على الرغم من المحاولات الجادة في تنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد السعودي، ما زال القطاع النفطي يساهم بنسبة كبيرة في مكونات الدخل الوطني.

حيث بلغت الإيرادات الحكومية النفطية 93% من إجمالي الإيرادات الحكومية في عام 2012م.

ولما شكلت الصادرات النفطية حوالي 88% من إجمالي الصادرات لنفس الفترة، فأن التقلب في أسعار النفط، سوف يؤثر على الاقتصاد بشكل كبير.

مع ثورة النفط والغاز الصخرى، أصبح موضوع تنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الوطني أمراً أكثر ضرورة من قبل.  

مقدمة:

تشير جميع الدراسات النظرية والتطبيقية في الأدبيات الاقتصادية الخاصة بنظريات النمو الاقتصادي إلى أن القطاع الخاص يلعب الدور الرئيس في نمو اقتصاد بلد ما.

فهناك علاقة إيجابية قوية بين معدل الاستثمار الخاص أو حجم القطاع الخاص ومعدل النمو للاقتصاد الوطني،وعليه نجد أن أغلب السياسات الاقتصادية الإصلاحية المحلية والدولية ركزت على تطوير وتنمية القطاع الخاص عن طريق إرساء مقومات آلية اقتصاد السوق وما يتبعه من برامج خصخصة القطاع العام.

كان ومازال هدف تنويع القاعدة الاقتصادية وتقليل الاعتماد على مصدر واحد للدخل أحد أهم أهداف خطط التنمية الخمسية المتعاقبة.

ولكن ما زال نمو الاقتصاد السعودي يعتمد على القطاع النفطي بشكل كبير. فتذبذب معدل النمو الاقتصادي خلال السنوات الماضية يعود إلى تراجع النمو في القطاع النفطي الناتج عن تأرجح أسعار النفط في الأسواق العالمية.

هذا يدل على أن خطط التنمية المتعاقبة لم تحقق النتائج المرغوب بها بشكل يجعل الاقتصاد السعودي أقل حدة لتقلبات أسعار النفط.  

يعتقد البعض أن السبب الرئيس وراء عدم تطور القطاع الخاص هو عدم مقدرة قطاع التعليم والتدريب على إعداد وتأهيل الأفراد بشكل يواكب متطلبات وحاجات سوق العمل.

ولحل هذا المشكلة يجب العمل على إصلاح هذا القطاع من حيث تطوير مناهج التعليم القائمة واستحداث مناهج تعليمة جديدة تواكب التطور الاقتصادي. 

ربما لا نستطيع رفض هذا الرأي تماماً، ولكن يحاول هذا المقال مناقشة هذا الموضوع من زاوية أخرى. بمعنى أن المشكلة الأساس في عدم تطور القطاع الخاص  يرجع إلى افتقاره لبيئة عمل تسمح لإنتاج الأفكار والمعرفة العلمية للازمة. 

هنا يمكن إثارة السؤال التالي: كيف يمكن لنا التخلص من هذه المصيدة؟ أو بمعنى أخر كيف يمكن لنا أن ننمى القطاع الخاص بشكل يسمح للحكومة من التقليل الاعتماد على القطاع النفطي؟ للإجابة على هذا السؤال،سوف أستخدم النموذج الاقتصادي التالي.

النموذج:

لنفترض أن الطلب في سوق العمل يتكون من  قطاعين حكومي وخاص. نفترض أيضا إن القطاع الخاص، ونتيجة للديناميكية التي يتمتع بها، أكثر إنتاجية من القطاع الحكومي ومن ثم فأن تأثير هذا القطاع على النمو الاقتصادي أكبر من القطاع الحكومي.

بالإضافة إلى عناصر الإنتاج التقليدية (رأس المال، الموارد الطبيعة والعمل)، تعتمد العملية الإنتاجية على الأفكار (Ideas) والمعرفة (Knowledge) التي تساعد على استغلال عناصر الإنتاج الاستغلال الأمثل.

هنا يجب النظر إلى الأفكار والمعرفة بمعناها الموسع، أي أنها تشمل على التقنية، والتكنولوجيا، والإجراءات التنظيمية والتشجيعية المتبعة داخل وخارج الشركة، وسهولة انتقال والحصول على المعلومة وغيرها. 

بعد ما يصبح الأفراد مؤهلين لسوق العمل (الحصول على مؤهل علمي أو تدريبي)، فأن كل فرد لديه الخيار أما أن يعمل في القطاع الحكومي ويصبح موظف (Bureaucratic) أو يختار العمل في القطاع الخاص ويصبح ريادي (Entrepreneur).

الفرق هنا بين الموظف الحكومي والريادي هو أن الأول يحصل على دخل من الحكومة نظير عمله، ولكن هذا العمل لا يؤدي إلى زيادة الدخل الاقتصادي الكلي لأن الموظف يقوم بعمل روتيني.

هذا يعنى أن دخل هذا الموظف حصل عن طريق إعادة توزيع ثروة المجتمع (Wealth redistribution).

أي أنه لم تحصل أي قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.

في المقابل يقوم الفرد العامل في القطاع الخاص على استخدام أفكاره إذا كان يعمل لنفسه، أو بيعها للمنشاة التي يعمل فيها لإنتاج أو اختراع (Innovate) سلع أو خدمات جديدة أو تطوير سلع وخدمات قائمة عن طريق التوظيف الكفء لعناصر الإنتاج.

هذا الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية سوف تزيد من معدل ربحية المنشاة، مما يحفز دخول منافسين جدد إلى السوق وبالتالي زيادة معدل المنافسة، مما ينتج عنه توظيف عمالة جديدة لإنتاج سلع وخدمات جديدة،. مما ينعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد الوطني ومعدل نموه.   

عندما يتاح للفرد فرصة الاختيار، فأنه يختار الوظيفة التي تحقق له أعلى عائد على مقدرته الذهنية والفنية (أعلى دخل بالإضافة إلى مميزات غير مادية أخرى)، وعليه يختار الأفراد ذوي المهارات العالية الوظائف التي يكون فيها الدخل دالة متزايدة في قدراتهم .

(Increasing returns to ability) هنا نفترض أن العائد الذي يسعى إليه الفرد يتكون من شقين مادي ومعنوي.

إذا كان عائد الوظيفة الحكومية أكبر من العائد المتحقق من الوظيفة في القطاع الخاص، سوف يختار الفرد العمل في القطاع الحكومي، والعكس صحيح.

واقع قطاع الخاص 

كما ذكرنا في مقدمة المقال أن حكومة المملكة اهتمت بتنمية وتطوير القطاع الخاص في إطار السعي نحو تنويع القاعدة الاقتصادية وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية كمصدر وحيد للدخل.

حيث قامت الحكومة بتهيئة الفرص أمام المستثمر الوطني، وتوفير جميع مقومات نجاح الاستثمار من حيث توفر البنية التحتية, والاستقرار السياسي والاقتصادي، وتوفر الموارد المالية والمناخ الملائم لنمو هذا القطاع.

ولكن بالرجوع إلى بيانات إجمالي تكوين رأس المال الثابت (إجمالي ما تم تكوينه من أصول رأسمالية عن طريق الشراء أو الإنتاج خلال فترة معينة)  الصادرة عن وزارة الاقتصاد والتخطيط، نجد أن نصيب قطاع البناء والتشييد (المباني السكنية والغير سكنية) من إجمالي تكوين رأس المال الثابت بلغ حوالي 81% عام 1975م، وأصبح حوالي 50% عام 2008م.

كما أن معدل النمو في إجمالي تكوين رأس المال الثابت مرتبط وبشكل كبير بمعدلات النمو في تكوين رأس المال الثابت للقطاع الحكومي، والتي بدورها مرتبطة مع مستوى الإنفاق الحكومي.

هذا يعنى أن أغلب الأصول الرأسمالية التي يتكون منها رأس المال الثابت الوطني في القطاع الغير نفطي عبارة عن مباني سكنية وغير سكنية، مما يشير إلى إن القطاع الخاص يتكون في الأغلب، من شركات مقاولات. ولكن لماذا هذا يحدث؟

للإجابة على هذا السؤال يمكن لنا تطبيق النموذج المبسط السابق على اقتصادنا، نجد أن الشريحة الأكبر من خريجي الجامعات بمختلف تخصصاتهم تفضل العمل في القطاع الحكومي على العمل في القطاع الخاص بسبب عوامل جوهرية تجعل العمل في القطاع الحكومي أكثر جاذبية من القطاع الخاص.

هذه الجاذبية تؤدي إلى انحسار المواهب التي يتمتع بها بعض الأفراد مما يؤدي إلى خسارة الاقتصاد. أن التركيبة القائمة في بيئة العمل لدينا يمكن تلخيصها في التالي.

قطاع حكومي يتوفر فيه أمان وظيفي مع عائد مادي يتناسب نوعا ما مع المستوى المعيشي في المجتمع،ولكنه يفتقر لبيئة حاضنة للقدرات الإبداعية مع عدم تقدير معدل الإنتاجية.

 في المقابل يقوم القطاع الخاص باستغلال قدرات وإمكانيات الموظف الاستغلال الأمثل في سبيل تعظيم إرباحه من خلال زيادة الإنتاج أو تقليل التكاليف، ولكنه يحتاج إلى أنظمة وقوانين تقف في صف الموظف أهمها الأمان الوظيفي، وساعات عمل مناسبة، والراتب المجدي.   

نتائج:

على الرغم من توافر القدرة المالية وعناصر الإنتاج الأخرى بالإضافة إلى رأس مال بشري متعلم، فإن ما ينقصنا هو بيئة مناسبة تسمح بتطبيق الأفكار الاقتصادية التي تساعد على استغلال عناصر الإنتاج المتاحة لدينا الاستغلال الأمثل.

نحن بحاجة إلى تحفيز الأفراد على العمل في القطاع الخاص. ولكن هذا لن يحدث إلا عن طريق إجراء بعض الإصلاحات التشريعية والتنظيمية التي تجعل العمل في القطاع الخاص أكثر جاذبية من العمل في القطاع الحكومي.