قيادة المرأة... وجهة نظر اقتصادية

04/11/2013 14
سعيد بن زقر

أشرتُ في مقال سابق للتكلفة الاقتصادية التي تترتب على عدم قيادة المرأة للسيارة، وأحصيتُ وقتها تأثير ذلك على ميزانية الأسرة وإنتاجية العامل السعودي، وأفَضْتُ في وصف الظروف الأسرية التي تستدعي خروج العامل أثناء ساعات عمله لمساعدة أسرته، وأُضيف اليوم بأن تكلفة عدم قيادتها خلال السنوات العشر يُقدِّرها اقتصاديون بثلاثمائة وخمسين مليار دولار (الاقتصادية 27/10/2013)، وهي خسارة مفزعة إذا قرأناها مع حقيقة أن 80% من النساء القادرات على العمل لا يستطعن الحصول على وظيفة لسبب رئيس عدم استطاعتهن قيادة السيارة.

وإذا كانت إيجابيات عدم قيادة المرأة للسيارة منعدمة؛ فإن رغبة المرأة في إنشاء مشروع صغير والإنتاج من بيتها لن تتحقق بسبب تكلفة السائق، وتعطيل طاقات المرأة مضر بها وبالاقتصاد الوطني، ولهذا كان الاهتمام بها حاضرًا في أقوال قيادتنا الرشيدة، فقد أكدوا - حفظهم الله- في أكثر من مناسبة أن عدم قيادة المرأة للسيارة لا يستند لتشريعات حكومية، وإنما يعود لتحفظات اجتماعية. فقد أكد خادم الحرمين الشريفين- حفظه الله- بأن الدولة لم (تُشرِّع منع المرأة من القيادة)، واستند إلى رأيه- أيده الله- ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز- رحمه الله- بعبارات مطابقة.

إن حديث ولاة الأمر يقطع قول كل خطيب بشأن قيادة المرأة، وحيث لا تزال تحاول الحصول على هذه الرخصة،فإن المتابع للسجال بين المرأة والمعترضين على هذا الأمر يتبدّى له الاختلاف وقد انحصر في (التدرج) في المنح، وبالتالي يبدو الاعتراض بلا إيجابيات، ولا يطال أصل المطالبة، وحيث إن حجة أهل التدرج تهيئة البيئة النظامية وتعميم الوعي بقبول الفكرة، فإن التفاؤل بالمستقبل واجب، وبقدر ما تنتظر المرأة بقدر ما يخسر اقتصادنا الوطني وتخسر المرأة اجتماعيًا.

والسائق الخاص الذي يفضّله بعضنا على المنح الفوري لا يخدم إيجابيات عفاف المرأة، لأنه في المحصلة رجل أجنبي، وقد يترتب على اختلاطه المستمر بالمرأة وبأطفالها أضرارًا اجتماعية، ولابد من رؤية الصورة بشكلٍ كامل.

وأعتقد أن الوعي الاجتماعي المُتقدِّم ينبغي أن يكون حاضرًا في السجال الدائر، وكذلك الإحصاءات المتداولة في المملكة، لأنها تتحدث عن واقع اجتماعي تتصاعد فيه نسب الطلاق، مما يترتب عليه تحمل المرأة تكاليف رعاية الأبناء ونقلهم وتدبير عيشهم، فكيف لمطلقة مهما كان دخلها أن تستخدم سائقًا لتضيفه لهمومها الاقتصادية، وإذا علمنا أن المرأة السعودية تعادل أكثر من نصف المجتمع، وأن نسبة معتبرة تلقّت تعليمًا جامعيًا يُؤهّلها لتكون عضوًا فاعلًا في الاقتصاد، فإن ذلك يعني وجود طاقات اقتصادية مهدرة؛ لم تُوظَّف بصورة إيجابيّة،وأن هذه الشريحة شرعت تُطالب بعمل مشروعات صغيرة ناجحة، وقيادة السيارة تسهم في إنجاح مبادراتها، وهي مبادرات وجدها بنك التسليف والادخار السعودي مجدية اقتصاديًا، ووفّر لها تمويلًا يُعادل (54.3) مليون ريال بواقع 120 ألف ريال للمشروع بحسب جريدة "الاقتصادية"، ونجاح المشروعات عمومًا يقوم على خفض التكلفة وعلى رأسها الاستغناء عن السائق الخاص، وهو إجراء يُخفِّض التكلفة، ويُمكِّن صاحبة المشروع من تنميته وإدارته والنهوض بمسؤولياته، كما أن انخراطها في العمل يُجنِّب المجتمع الآثار السالبة التي تترتب من البطالة، وأكثر الشرور تجلبها البطالة، ولهذا السماح للمرأة بالقيادة يصطاد عصفورين بحجر، إذ يسمح بتسخير طاقاتها وتوظيف خبراتها، ويجنّبها أن تكون عالة على أسرتها ومجتمعها أو على مؤسسات الرعاية الاجتماعية.