جذب رأس المال الأجنبي أو طرده

31/10/2013 8
وليد عرب هاشم

خلال إحدى رحلاتي إلى الرياض، جلس بجواري طبيب من القارة الهندية، وبعدما تعارفنا أخبرني أنه أمضى معظم حياته العملية في هذا البلد الطيب، ومن خلال ذلك استطاع ــ بفضل الله ــ تكوين ثروة لا بأس بها، وأخيرا سألني: هل أنتم (يا سعوديين) تطلبون مني أن آخذ علمي وعملي وخبرتي وثروتي وأخرج من عندكم؟ ألا تعلمون كم دولة من دول العالم، ومنها دول ما يسمى بالعالم الأول، ترحب بإقامة طبيب ذي خبرة ومال؟ بل بعضهم يسهل له الجنسية ويحتضنه كمواطن.

فلماذا يجب على شخص كهذا، مسلم ومحب لهذا البلد، إما أن يجد كفيلا أو يخرج هو وماله وخبرته، وأن لا يستطيع أن يستثمر هنا ويعيد لاقتصادنا ولو جزءا مما أخذه، ولا يستطيع أن يمتلك حتى المنزل الذي يقيم فيه؟

وأحمد الله أن قصر رحلة الرياض أسعفني من إجابته على هذه التساؤلات، فلقد احترت أمامها، فأنا أعلم أن أي اقتصاد بحاجة إلى استثمارات محلية وأجنبية للنمو، والاستثمار الأجنبي ليس رأس مال فقط، وإنما خبرة وعلم وتقنية، بل إنه في بلد غني مثل مملكتنا والحمد لله، لا يجب أن يكون الاستثمار الأجنبي مقتصرا على رأس المال، وإنما يجب أن يشمل أمورا أخرى تضيف لنا ولاقتصادنا.

ولقد كان تأسيس هيئة الاستثمار اعترافا بأهمية الاستثمار الأجنبي وضرورة جذبه إلينا، ومع كل الملاحظات على مسار هذه الهيئة إلا أن المبدأ يظل سليما، فالاستثمار الأجنبي هو عامل أساس لنمو أي اقتصاد، ولكن مع شروط، ومنها أن يكون هذا الاستثمار فعلا إضافة مفيدة، وليس يأتي ليزاحم الاستثمار المحلي والمستثمر الوطني.

فلو تأكدنا أن هذا الاستثمار الأجنبي يشكل إضافة لنا فعلينا جذبه وتذليل أي عقبات أمامه.

بالتالي، عندما نجد أننا نعاني من نقص في الخدمات الصحية وندرة في الكفاءات الطبية، ونكون في أمس الحاجة لها، فإني لا أرى أي منطق في التضييق على هذه الكفاءات، سواء أكانت وطنية أو مقيمة، بالعكس علينا الترحيب بمن هم لدينا والعمل على جذب غيرهم، وعلى أساسه يجب أن تكون لدينا أنظمة دقيقة، بحيث تميز ما بين رأس المال الذي نحتاجه وعلينا جذبه، وما لا نحتاجه وبالإمكان الاستغناء عنه وإحلال الوطني مكانه، ورأس المال لا يعني المال فقط، وإنما الطبيب الذي درس لحوالي عشرين عاما واكتسب خبرة لعشرات سنين أخرى يعتبر رأس مال بشريا، ففيه تم استثمار مئات الألوف أو الملايين من التعليم والتدريب ليحصل على هذه المهارات، وبالتالي فإنه يعتبر ثروة ــ بحد ذاته ــ ولا يجب التفريط فيها، بالعكس علينا جذبها والمحافظة عليها، وخصوصا ونحن في حاجة لها، وعلى أساسه من المهم أن نفرق ما بين عمالة غير مدربة أو مدربة تدريبا بسيطا تأتي إلينا لتكتسب الخبرة والمهارة ولدينا بدائل من العمالة الوطنية، وما بين أشخاص كالأطباء أو أساتذة الجامعات أو غيرهم ممن هم إضافة وفائدة لمجتمعنا واقتصادنا، ولهذه الحالات لا يجب أن تكون هناك شرائح لحد أدنى من التوظيف أو تطبيق لأنظمة سعودة، فهذه الكفاءات تضيف أكثر مما تأخذ، ولو تركونا فنحن نخسر أكثر من خسارتهم، بينما هم سيجدون غيرنا يرحب بهم.

نقلا عن جريدة عكاظ