زيادة الرواتب ليست حلاً

21/10/2013 11
د.عبد الوهاب أبو داهش

من فينة لأخرى تنشر إشاعات مغرضة عن قرب صدور قرارات برفع الرواتب أو فرض رسوم أو خلافه من الاشاعات التي تهدف الى رفع سقف التوقعات ومن ثم الاحباط وخلق صورة تشاؤمية لأفراد المجتمع في حال عدم تحقق تلك التوقعات المغلوطة.

وتأتي مثل هذه الاشاعات من بعض من يدعون أنهم أصحاب قلم وفكر وتخصص للأسف الشديد بغية كسب الشعبية والجماهيرية على حساب ارقام الواقع.

فمن ينظر لواقع الأجور في ميزانية الحكومة يدرك الصعوبة البالغة في رفع الأجور عطفاً على الاحصاءات والارقام المتعلقة بحجم تلك الأجور التي ارتفعت 248.4 مليار ريال في 2010 الى 316.7 مليار ريال في 2012 وبنسبة 27.5% خلال سنتين فقط نتيجة زيادة التوظيف في القطاع الحكومي ،والزيادات السنوية المعتادة في الأجور.

وقد كانت فاتورة الأجور في نطاق 110 مليارات ريال في بداية العقد الفائت.

وقياسا للايرادات الكلية، فإن الأجور تمثل 25.4% منها، وتمثل ثلاث مرات أعلى من الايرادات غير النفطية لسنة 2012.

بمعنى انه في حال انخفاض ايرادات النفط لأي سبب من الاسباب فإن فاتورة الأجور ستشكل عبئاً ضخما على موازنة الدولة، سيصعب ايجاد حلول لها إلا بتكاليف عالية على الدولة والأفراد كالاقتراض مثلا أو فرض ضرائب ورسوم عالية مع رفع اسعار الكهرباء والماء والوقود وإلغاء الدعم.

وهي سيناريوهات لا نريد الوصول اليها. اذاً فرفع الأجور ليس حلا أو فكرة مستساغة وغير قابلة للتصديق في الفترة الحالية.

خصوصا وان بند الاجور في المملكة هو الاعلى بالنسبة الى اجمالي الناتج المحلي عند مقارنته بالدول الغنية والدول المجاورة، مما يجعل من الصعوبة بمكان التفكير في زيادة الأجور.

واذا أضيف الى بند الأجور بنود الدعم الحكومي للقطاع الزراعي والصحي ومستفيدي الضمان الاجتماعي فإننا نتحدث عن فواتير ضخمة تصل بالنفقات الجارية الى أكثر من 600 مليار ريال ممثلة نحو 50% من مجمل الايرادات الحكومية.

إن البدائل متعددة لرفع الأجور(الدخل) للمواطنين، ومنها تشجيع القطاع الخاص على توظيف المزيد من السعوديين، وجعل بيئة العمل فيه بديلا مفضلا للمواطن عن طريق تحسين بيئة العمل في القطاع الخاص من ناحية السياسات والاجراءات التي تمكن الموظف معرفة خط تدرجه الوظيفي كما هو الحال في الحكومة مع مايشمل ذلك من علاوات ومكافآت سنوية.

ويضاف الى هذا الحل تشجيع المبادرات الفردية بتشجيع المنشآت الصغيرة والمتوسطة للمواطنيين وتنظيم أسواق التجزئة والخدمات لتجعلها تتلاءم وبيئة المجتمع السعودي من خلال تنظيم ساعات العمل مع تشجيع إنشاء المنشآت المنظمة لادارة أسواق التجزئة بدلاً من منح تراخيص فردية لا تجلب إلا مزيداً من العشوائية والتستر والاستقدام على حساب المواطن.

إن تحسين سوق العمل هو أولى الخيارات لرفع الدخول للمواطنين، يليها تحسين سوق الاسكان والذي ينبغي أن يعطى الاهتمام الكافي للوصول الى هدف أن التملك ممكن للمواطن حال دخوله سوق العمل. ولعل الجهود المبذولة حاليا هي بادرة صحيحة في الطريق الصحيح اذا أخذ بالتوصيات المكملة لمشاريع وزارة الاسكان وانظمة الرهن العقاري بتشجيع المطورين والمستثمرين العقاريين للمشاركة في مشاريع الاسكان.

إن حصول المواطن على مسكن مريح وباقل التكاليف يرفع عن كاهله نحو 33% من دخله.

ان الانفاق على قطاعات البنية التحتية مثل التعليم والصحة والاسكان وتحسين بيئة عمل القطاع الخاص هو مبرر للغاية وبديل أفضل من زيادة الرواتب لأنه استثمار للجيل الحالي وجيل ابنائنا الذين نريدهم ايضا ان ينعموا بمستوى معيشي كريم، ولن يتأتى ذلك الا بمدى قدرة الجيل الحالي على الادخار وتوفير بنية تحتية قوية يمكن جيل المستقبل من الاستفادة منها.

نقلا عن جريدة الرياض