أزمة الموازنة الأميركية وتداعياتها عربياً

10/10/2013 0
عامر ذياب التميمي

كيف سيكون تأثير أزمة الموازنة الأميركية في الاستثمارات في الولايات المتحدة وأسواق المال، وما هي الانعكاسات الاقتصادية لتلك الأزمة على البلدان العربية؟ لا شك في أن هذه الأزمة ستؤثر في أداء الأسواق نظراً إلى المخاوف من إخفاق الولايات المتحدة في أداء مستحقاتها بما فيها خدمة الديون، إذا طال أمد تعطيل إقرار الموازنة ثم تعطل رفع سقف الاستدانة.

وقد تتأثر قيم الأصول المملوكة من حكومات ومستثمرين عرب، سواء كانت مالية ومسعرة في الأسواق أو عينية مثل العقارات.

لكن آفاق التسوية حاضرة وثمة أسباب سياسية واقتصادية للتوصل إلى حلول للخلافات بين أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب.

ولا يقدَّر بأن تكون هناك آثار اقتصادية سلبية على الاقتصاد العربي إلا إذا طال أمد الخلاف وتأثرت الأوضاع في الولايات المتحدة وغيرها من بلدان صناعية بما يؤدي إلى تراجع الطلب على النفط فيندفع سعر البرميل نحو الانخفاض.

ولا يوجد من يتصور وصول الأزمة إلى هذه المرحلة الحرجة، وخلال الأيام الماضية ظهرت توجهات إلى معالجة الخلافات حول الموازنة وتراجع التعنت الذي يبديه عدد من أعضاء الحزب الجمهوري في شأن برنامج الرعاية الصحية المعروف بـ «أوباماكير».

لكن لماذا تواجه الحكومة الأميركية أزمة سياسية حادة نتيجة لتوقف إقرار الموازنة الفيديرالية، ولماذا لم تقر هذه الموازنة؟ نشبت الأزمة بعدما قرر مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الحزب الجمهوري، تضمين قانون الموازنة نصاً يؤكد على وقف العمل بالبنود المستحقة لـ «أوباماكير»، والذي سبق إقراره كقانون من قبل مجلسي النواب والشيوخ ووقعه الرئيس باراك أوباما في 23 آذار (مارس) 2010.

والهدف من القانون المعروف باسم «قانون حماية المرضى والرعاية المحتملة» تمكين مزيد من المواطنين الأميركيين من الحصول على رعاية صحية أفضل وضمان صحي وخفض التكاليف المتعلقة بالرعاية الصحية.

وجرى تنفيذ كثير من بنود القانون منذ إقراره، أما البنود المتبقية من القانون فكان من المقرر البدء في تنفيذها اعتباراً من بداية السنة المالية الجديدة في 1 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري وهذا ما حصل.

وإزاء إصرار مجلس النواب على تعطيل «أوباماكير»، رفض الرئيس طبعاً هذا الشرط بعدما اعتمِد من خلال الآليات التشريعية المحددة وأصبح نافذاً، وبعدما رفضت المحكمة الدستورية الطعن بدستوريته، وبعدما تأكد من الانتخابات التشريعية والرئاسية في 2012 أن القانون مرحب به من قبل الناخبين الأميركيين.

ولا شك في أن هذه المعارضة كشفت عن مقاومة أيديولوجية متعنتة من قبل أعضاء في الحزب الجمهوري لا تتسق مع المتغيرات في مسائل الرعاية الصحية في العديد من بلدان العالم المتقدم.

وأوضحت الأزمة الراهنة ارتهان قيادة الحزب الجمهوري لمجموعة «حزب الشاي» التي ربما لا يمثلها أكثر من 50 عضواً في مجلس النواب، علماً بأن مجلس الشيوخ خاضع لسيطرة الديموقراطيين.

وقد يدفع هذا الرضوخ إلى خسارة الحزب الجمهوري التأييد في الانتخابات التشريعية المقبلة في خريف 2014.

وفيما أدى تعطل إقرار الموازنة إلى توقف نشاطات عدة تضطلع بها الحكومة الفيديرالية، لا بد من أن يزيد استمراره لفترة طويلة أعداد العاطلين من العمل ويرفع معدل البطالة عن المستوى الحالي بما يعمق الأزمة الاقتصادية.

فالإنفاق الحكومي في الولايات المتحدة عنصر حيوي في العمل الاقتصادي ويمكن من تحسين مستويات الاستهلاك الذي يمثل قاطرة أساسية في النشاط الاقتصادي.

لكن توقف النشاطات الحكومية يمثل جزءاً من المشكلة التي تواجهها إدارة أوباما مع الكونغرس في تحديد أسس السياسات المالية وفلسفتها.

فهناك أزمة الدين الحكومي حيث لا بد من أن يجيز مجلس الشيوخ والنواب للحكومة رفع سقف الدين العام لكي يمكن للحكومة أن تقترض وتصدر سندات لمواجهة متطلبات الإنفاق الحكومي.

غني عن البيان أن الحكومة الفيديرالية تواجه مشكلات أساسية مع قضية الدين العام حيث تتزايد مخصصات الإنفاق ولا تكفي إيرادات الضرائب من تسديد الالتزامات.

ويؤكد مختصون أن على الحكومة خفض النفقات تريليوني دولار خلال السنوات العشر المقبلة.

ويُخشى من ارتفاع الدين العام إلى ما يعادل 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، من 73 في المئة اليوم و38 في المئة معدلاً سنوياً وسطاً خلال السنوات الـ 40 الماضية.

وعلى رغم التعديلات على قانون الضريبة، ما رفع الاستقطاعات من دخل الأثرياء، ما حسّن إيرادات الخزينة العامة، تظل تأثيرات هذا التحسن قاصرة عن مواجهة الزيادات في الإنفاق في المدى البعيد.

لا بد أن ترتفع مخصصات الإنفاق نظراً إلى زيادة معاشات التقاعد بفعل ارتفاع أعداد المتقاعدين وارتفاع متطلبات الرعاية الصحية بسبب تزايد أعداد المسنين إذ أن من وُلدوا بعد الحرب العالمية الثانية باتوا الآن في أعمار متقدمة.

ولا شك في أن الولايات المتحدة والتي أعتمد مجتمعها السياسي فلسفة نفعية في مجال الأعباء الاجتماعية،ستواجه الحقائق الديموغرافية والاجتماعية الجديدة وتجد طرقاً للتعامل المتوازن مع هذه المسؤوليات، إلى جانب تجنب تحمل تبعة التسبب بأزمة اقتصادية عالمية.

وما نراه الآن من صراع حول الموازنة وفلسفة الرعاية الصحية يتطلب التوصل إلى حلول منطقية ومتسقة مع توفير أوضاع حياتية مناسبة وفي الوقت ذاته ترشيد للإنفاق.

نقلا عن جريدة الحياة