التغيير في قطر ... سرب عصافير بحجر واحد !

09/07/2013 3
ناصر النفيسي

لا يخفى على أحد الحدث التاريخي الفريد الذي تمثل في تنحي أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفه آل ثاني ( 62 سنة ) لصالح إبنه الشيخ تميم ( 33 سنة ) بتاريخ 25/6/2013 ، ولن أتحدث وأشهد عن فرادة هذا الحدث ومدى استثنائيته وغيره من الأوصاف التي تليق به ، والذي هو حدثاً عالمياً فريداً ومميزاً إن جاز لنا وصفه باختصار شديد ، حيث أن غرض هذا المقال هو التركيز على إيجابيات هذا الحدث ، وقد اشتققنا من المثل القائل : " عصفورين بحجر " لنسقطه على ذلك الحدث مع شيئ من التعديل يتناسب معه إلى " سرب عصافير بحجر واحد " ، أي أن التغيير في قطر حدث واحد ، لكنه حقق جُملة مكاسب مدوية ، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :

1- المثل والقدوة : حيث قام الشيخ حمد بن خليفه آل ثاني – الذي تم منحه رسمياً لقب " الأمير الوالد " - بضرب مثلاً نادراً للغاية بالتنازل عن الحكم أو " العرش " لغيره، وليكن ولده، وهو ما لا يجرؤ عليه حكام العرب والمسلمين ، وحتى في باقي بقاع المعمورة إلا نادراً جداً فيما نعلم في العصر الحديث ، أي منذ بداية القرن الماضي العشرين.

2- مصلحة البلد أولاً : وضع الشيخ حمد بن خليفه آل ثاني  " الأمير الوالد " مصلحة بلده أولاً ، حيث لا يخفى على الكثيرين احتمالات عدم الانتقال السلس للسلطة في حالة وفاته  وهو في منصبه ، نظراً للوضع الداخلي القابل للتغير المعقد وربما غير المعروف بناءً على خلفيات أو تراكمات سابقة، بالإضافة إلى الوضع الإقليمي المضطرب، ناهيك عن المصالح العالمية المتضاربة للاستفادة قدر الإمكان من أي نقل غير سلس للسلطة في قطر ، وذلك لعدة أسباب جوهرية من أهمها : دور قطر الاستثنائي والمثير للجدل والقفزة في جميع الاتجاهات التي حققتها الدولة منذ تولي الشيخ حمد " الأمير الوالد " مقاليد السلطة في عام 1995 .

3- فتح صفحة جديدة :  إن من شأن نقل السلطة - على النحو الذي تم في قطر - إسدال الستار ولو تدريجياً على حقبة مليئة بالمواقف الاستثنائية لدولة قطر منذ استلام " الأمير الوالد " مقاليد الحكم في يونيو 1995 وحتى مغادرته في يونيو – أيضاً - 2013 ، ولا نعلم نحن – كما لا يعلم الكثيرون أيضاً - حقيقة وأهدف تلك المواقف الاستثنائية أو " الردكالية " إن صح التعبير، والتي كان عدداً منها جالباَ للمشاكل خاصة مع بعض الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي ، وفي إطار العالمين العربي والإسلامي أيضاً ، ولسنا هنا بصدد تعداد المواقف الاستثنائية التي يمكن تسميتها بـ " السلبية " ، وفي المقابل، ما يمكن تسميتها بـ " الإيجابية " ، ناهيك عن إنقلاب الموقف في قضية واحدة خلال فترة قصيرة، حيث كانت محصلة تلك المواقف حصد العداوات أكثر من الصداقات .

4- التركيز على قطر :  إن من شأن فتح صفحة جديدة كما ذكرنا في الفقرة السابقة (3) أعلاه ، التركيز أكثر على بناء الوطن، وهذا لا يعني أن الوطن كان مهملاً خلال الحقبة السابقة والممتدة لفترة 18 عاماً، حيث أن شدة زخم التحرك الإقليمي والعالمي خلال الحقبة المذكورة لا بد أن تؤدي إلى صرف الانتباه - ولو جزئياً - عن التنمية الحقيقية والعميقة في الداخل، أي باتجاه الوطن والمواطنين، حيث نرى أن التحول الجديد مدعاة للتركيز أكثر على الوضع الداخلي ، أو بعبارة أخرى، الموازنة بين الاهتمام بالشأن الداخلي والخارجي على أقل تقدير .

5- تدعيم التعاون الخليجي : كما ذكرنا في الفقرة (3) أن بعض المواقف الاستثنائية لدولة قطر أحدثت عدداً من الإشكالات منها ما ظهر للعلن، ومنها ماتم كتمانه قدر الإمكان، ولا نريد في هذا المقام تحديد تلك الإشكالات  - التي وصل بعضها ربما لدرجة الشرخ العميق في العلاقة مع بعض الدول - ومن المخطئ ومن المصيب ؟ إلا أنها أحدثت في النفوس مشاعر مؤلمة أحياناً ، وليس من السهل التخلص منها خلال فترة زمنية قصيرة دون تغيير من نوع معين، حيث نرى أن النقلة الأخيرة من شأنها – بالإضافة إلى عوامل جوهرية أخرى - تصفية بعض النفوس، وفتح صفحات جديدة مع " العاتبين " إن جاز التعبير، حيث تحتم المصلحة الاستراتيجية لدول مجلس التعاون الخليجي نبذ الخلافات وتعزيز التعاون والسير نحو تحقيق الاتحاد الخليجي، أو أي صيغة أخرى تدعم اللُحمة بين تلك الدول في ظل المتغيرات الخطيرة التي تعصف بالمنطقة، ومنها احتمالات تبدل المصالح وانقلاب مواقف بعض الحلفاء الأجانب لدول الخليج .

6- الدماء الشابة : لا شك في أنه على ضوء المتغيرات السريعة والمتلاحقة في شتى المجالات الاقتصادية ، السياسية، التقنية، التنموية، الرياضية ، ..... إلخ ، لا بد من الدفع بدماء شابة في مواقع اتخاذ القرار لمواكبتها ، أو للحد من التخلف عنها بمسافة بعيدة على الأقل، والذي يتطلب تسليم السلطة لدماء شابة لضمان استمرار دفق العطاء والقدرة على تحمل ضغوط المسؤلية لمواكبة المتطلبات الجسيمة للتطوير والتنمية بشكل أفضل من جيل " الأمير الوالد " مع تقديرنا واحترامنا لاجتهاده ومثابرته .

ولا بد لنا أن نتحدث – في هذا المقام - ولو بعجالة عن مناقب أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفه آل ثاني ، والذي فعل قبل أن يقول ويترجل عن القيادة في ذروة عطاءه وفورة نشاطه ، فقد وضع وفرض دولة قطر على الخارطة العالمية، كما قام بتنمية اقتصادها بسرعة هائلة إلى أن أصبح دخل الفرد الأعلى في العالم ، وقد استثمر ثروة البلد الأساسية المتمثلة في الغاز الطبيعي، والذي كان مخزوناً مخبوءاً في باطن الأرض، وربما قد يتسرب - بشكل أو بآخر - إلى دولة أجنبية مجاورة، أو تنتهي قيمته الاقتصادية فيما لو تم إهماله في باطن الأرض كما هو الحال لعقود عديدة سابقة .

وقد سلّم " الأمير الوالد " دفّة القيادة إلى نجله الأمير تميم بعد أن وضع البلد على " سكة " التنمية والتطوير في إطار الوطن والحضور الإقليمي والعالمي، سواءً في الشأن السياسي أو الاقتصادي ، وحتى الرياضي أيضاً ، ناهيك بما يتعلق بالشأن الإعلامي، كما كان التغيير شاملاً في قطر على مستوى رئيس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، والذي كان الساعد الأيمن للـ " الأمير الوالد " و" دينمو" المرحلة الانتقالية الممتدة لفترة 18 عاماً إن جاز لنا تسميتها بذلك ، كما كان أيضاً عرّاباً لنشاط الدولة السياسي والاقتصادي والإعلامي أيضاً، وقد كان قرار تقاعد رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق قراراً موفقاً للغاية ليكون التغيير شاملاً ومفصلياً، وذلك لإفساح المجال التام للأمير الشاب للانطلاق في عمله دون أي معوقات أو حساسيات ، ولبدأ صفحة جديدة وتاريخية بكل ما تحمله الكلمة من معنى ومحتوى، ولا يمنع الوضع الجديد أن تكون الحركة المقبلة للشيخ تميم بن حمد آل ثاني تحت رعاية وعناية والده – ولو عن بُعد – لبضع أعوام قادمة ، وذلك لإبعاد أي مؤثرات غير مفيدة ربما تشوّش على انطلاقة الأمير الجديد .

ونود أن نشير في الختام ، إلى مهمة صعبة – وليست مستحيلة بكل تأكيد - تواجه الحاكم الجديد لدولة قطر الشقيقة وجميع حكام دول الخليج أيضاً، وهى تنمية المواطن ، فالأوطان تُبنى بالإنسان وليس بالأحجار ، حيث نعتقد أن أولى أولويات الأمير الشاب تنمية الإنسان القطري، وأن لا يكون متقدماً ومتصدراً فقط في مظاهر الترف والبذخ كحال معظم شعوب دول الخليج للأسف الشديد، بل أن يكون متصدراً بالإبداع والجد والاجتهاد والإنتاج ، وهو السبيل الوحيد للحفاظ على المكتسبات التي تم تحقيقها، حيث نأمل أن لا تضيع ثروتنا البشرية نحن في جميع دول مجلس التعاون الخليجي بسبب الاتكالية المفرطة والترف المُفسد والغنى المبطر .