ربيع الحاكم وربيع الشعوب

14/05/2013 40
مازن السديري

عندما تكون الدولة قائمة بمؤسساتها وبدون أن تكون ضعيفة لأي سبب سواء من أزمات داخلية أو تدخلات خارجية فإن قدرتها على الإصلاح وتحقيق التنمية ممكنة، مهما كانت ظروفها الاقتصادية لنقل الشعوب إلى طموحات ترقاها ومواجهة احتياجات العصر من أجل الصف بين أرقى الشعوب بفضل الازدهار الاقتصادي، فمثلا عندما ننظر لمحفظة الأوربي الاستهلاكية والتي تحتوي سلة استهلاكه على شراء ومتابعة التقنية من أجهزة ذكية والتعمد لاستهلاك السلع الغذائية الطبيعية والخالية من المواد الكيمائية نجد أن مثل هذا النمط من الاستهلاك يعد صورة من صور الترف لدى شعوب أخرى مثل الهند، وللمعلومية فإن الناتج المحلي للفرد في أوربا يساوي 34 مرة بالنسبة للفرد في الهند، وهنا أستوقف كلمة لحكيم وراسم تنمية الهند (جواهر لال نهرو وهو والد أنديرا غاندي وجد راجيف غاندي) عندما قال إن نلحق العالم الأول ونتابعه خير من معاندته والتنمية أهم من الثراء، وبفضل هذه الفلسفة فإن الفرد الهندي يشعر بالسعادة لوجود التنمية برغم فارق الحجم الاقتصادي بالنسبة لنظيره الأوروبي ولكن نسبة النمو الهندي ثمانية أضعاف الأوربي.

(نهرو) هو معلم آسيا للتنمية والتوازن الدولي والانفتاح الثقافي لحقه في ما بعد حكام تشابه في نظرته دون أن يكونوا قد قرؤوا له مثل (لي كسان يان) والذي قاد الانفتاح الصيني في مطلع الثمانينيات بعد أن عدل الدستور الصيني ليكون هو الدستور الرابع ولو لم يفعل لعمت الفوضى الصين وهنا ربيع الحاكم خير من ربيع الشعوب إذا أدرك الحاكم تغير زمنه وتحديات ظروفه.

بعد نهاية عقد التسعينات والذي تعطلت فيه التنمية بشكل ملحوظ في السعودية لدرجة أن دخول الجامعة أوالمستشفى كان يتطلب إلى واسطة، واهتزت الميزانية السعودية لدرجة أن كان هناك تصور حول العجز في دفع الرواتب للموظفين الحكوميين، وفي نهاية ذلك العقد كان الملك عبدالله -حفظه الله- يزور شرق آسيا ليرى أطلال (نهرو) و(لي كسان يان) ويدرك تراجع المملكة العربية السعودية والتي كانت ذات يوم تضاهي تايوان في سباق التنمية الآسيوي.

أضيف قبل تعطل التنمية في السعودية والذي أدى لعدم التوازن بين المناطق وقلة خلق الفرص الوظيفية وضعف الخدمات العامة ما هو أخطر وهو الوعي الثقافي والذي ظهر بصورة جلية في أعقاب 11سبتمبر، واجه كل ذلك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- بكل بسالة وحتى قبل ارتفاع أسعار النفط في عام 2003 عندما أمر ببناء احتياطي نقدي وبدأ في تقليص النفقات ومنها نفقات تمسه هو نفسه (مثل عندما تحول الموكب السعودي من سيارات فارهة إلى حافلة) وزيادة الإنفاق في مجال التعليم ولا ننسى دوره في إعادة تنظيم أوبك في قمة (كاراكاس عام 1999).

وبعد ذلك مضت سنوات عهد عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- لتستعيد المملكة مرة أخرى مكانتها في الواجهة العالمية بعد أن حقق الناتج المحلي نموا يساوي 14% كنسبة مركبة منذ عام 2004 إلى عام 2012 ميلادي وما صحب ذلك من مشاريع في البنية التحتية والخدماتية وعودة الابتعاث، بل حتى أصبحت السعودية مرة أخرى (مثل عهد السبعينيات) متجها محببا للعمل بالنسبة للأوربيين والأمريكيين، وأخيرا جاءت انفجارات بوسطن والتي أظهرت أن لا علاقة للسعوديين بتلك الأحداث وعن مدى المشاركة الحضارية للسعوديين هناك لتظهر سعودي زمن الملك عبدالله وأن الربيع السعودي سبق كل ربيع ولكنه كان ربيع الحاكم.

نقلا عن جريدة الرياض