الصناديق السيادية مضيعة لنصيب الأجيال (1-2)

06/04/2013 9
د. أنور أبو العلا

سأخرج اليوم من موضوع البترول وأدخل في موضوع صندوق (حصّالة) الأجيال القادمة. بالتأكيد أن تكرار الحوار وتبادل وجهات النظر في موضوع ما (مهما اختلفت فيه وجهات النظر) سيوضّح الصورة تدريجياً وقد يغيّر البعض (عن اقتناع) مواقفهم من التعصب لآرائهم إلى تبنّي الآراء المخالفة.

الذي يدل على أن مفهوم الصناديق السيادية غير واضح للذين يطالبون بإنشاء ما يسمونه صندوق الأجيال القادمة هو استدلالهم الخاطئ بالدول التي لها صناديق سيادية للاحتفاظ بفوائض ميزانهم التجاري في دول أخرى.

لذا سنحاول اليوم أن نناقش المبادئ الاقتصادية التي دفعت (اضطرت) بعض الدول لإنشاء صناديقها السيادية وفي زاوية السبت القادم سنلقي الضوء على صناديق الدول التي لها صناديق سيادية يستشهد بها المطالبون بانشاء صندوق الأجيال.

الكلام الآن موجه للمتخصصين في الاقتصاد الذين يطالبون بإنشاء صندوق للأجيال القادمة فأنا افترض أنهم درسوا كورساً في التجارة الدولية (وبالتالي لن يجدوا صعوبة في فهم ما سأقوله) وأرجو منهم أن يستعينوا بمذكراتهم بالذات الفصول التي تتحدث عن ميزان المدفوعات والعلاقة بين عناصره المختلفة بالذات عنصر الميزان التجاري والدور الذي يلعبه في التأثير مباشرة على الناتج القومي.

من المبادئ الأولية في علم الاقتصاد (فرع التجارة الدولية) بأن ميزان المدفوعات يجب (في نهاية الفترة) أن يكون متوازناً فإذا كان يوجد عجز في أحد عناصره فلابد أن يوجد فائض يغطيه في عنصر آخر من عناصره الأخرى أو يضطر البنك المركزي إلى شحن بعض احتياطياته (كالذهب) إلى الخارج لتسوية التوازن في ميزان المدفوعات.

الميزان التجاري (الصادرات ناقص الواردات) هو العنصر الوحيد من عناصر ميزان المدفوعات الذي يدخل في حساب إجمالي الناتج المحلي بمعنى إذا كان يوجد في الميزان التجاري عجز فسينخفض تلقائياً الناتج القومي وإذا كان يوجد في الميزان التجاري فائض سيرتفع تلقائياً الناتج القومي (كل الذين يدرسون الاقتصاد الكلي يعرفون هذا).

هذا يجعل الدول الصناعية الناهضة (كالصين ونمور آسيا) تستميت من أجل إيجاد أسواق لصناعاتها في الدول الأخرى (أي أحداث فائض في ميزانها التجاري) لتشجيع صناعاتها وخلق وظائف لمواطنيها ونمو ناتجها القومي ولذا فهي من أجل تحقيق هذا الهدف لا مفر لها من الاحتفاظ بفائضها التجاري عن طريق إنشاء ما يسمى الصناديق السيادية حتى تستطيع تصدير منتجاتها.

مثال من الواقع: الصين لديها فائض في ميزانها التجاري مع امريكا وبالتالي يوجد ثلاثة خيارات لتسوية هذا الفائض: أولاً أن يدفع (يشحن) البنك المركزي الامريكي بعض احتياطياته كالذهب للصين (وهذا أصعب من الغول والعنقاء والخل الوفي). وثانياً وإلا فإن سعر صرف اليوان (العملة الصينية) سيرتفع بالنسبة للدولار إلى ان تنخفض الصادرات الصينية وتتساوى مع وارداتها من امريكا (وهذا يقضي على الهدف الذي تستميت الصين لتحقيقه).

وثالثاً وإما العلاج الأخير (الكي) وهو أن تترك الصين فوائض ميزانها التجاري في امريكا فتفتح صندوقا سياديا لتضرب عصفورين بحجر: أولاً تحقيق هدفها الأساسي وهو ازدهار ورواج صناعاتها، وثانياً الحصول على عوائد تستخدمها لتسهيل تصدير منتجاتها.

الخلاصة أنه لايمكن الاستشهاد بالدول التي تحتفظ بصناديق سيادية (مضطرّة بهدف ترويج منتجاتها) لتبرير إنشاء صناديق سيادية (لتبديد نصيب اجيالنا من البترول) وأن عليهم ايجاد مبررات تقنعنا تنطبق على اقتصادياتنا كدول بترولية تعيش على تسييل ثروات أجيالها القادمة.