حماية المستهلك أم نزاهة التاجر؟ (2)

11/03/2013 1
سعيد بن زقر

إن التاجر الخبير لا يرفض "حماية المستهلك"، لأنه يعرف أن قيمة السمعة تعتمد على أن المستهلك يتميز بوعي رفيع، وله مقدرة وحكمة ذاتية في اختياره للسلع والخدمات التي يشتريها،وأن ضمان تطبيق الأنظمة الحكومية هو ألا تقوض هذا بالضرورة، وبألا توحي للمستهلك، أنه لا داعي لأي اختيار أو حكم حتى وإن كان تاريخ الشركة المنتجة للسلعة، سنين من الإنجازات، وأن هذا لا معنى له أو قيمة.

لأن لذلك سلبياته على المنتج وعلى المستهلك، وسيجعل أقل المتطلبات تتماشى مع المواصفات والمقاييس،وهي أساس أي نظام، لتصبح تدريجيًا أعلى معيار للمواصفات والمقاييس، فعلى سبيل المثال لو أن معايير ومقاييس البناء وضعت أدنى ما يطلب تحقيقه لمطابقة النظام، فإن المقاول سيقول في نفسه: إنه لا يكسب أي شيء لو تعدى هذه المعايير أو زاد عليها، ولذلك سيضع هدف أن يحقق أدنى ما هو مطلوب "نظاميًا"،وحتى محاولة المحافظة على حد أدنى "مقبول" تصبح تدريجيًا استحالة لآخرين، لأنه سيكون فيها استمرار لاستنزاف الحوافز ودفع الجودة للأعلى من قبل المصنعين أو المنتجين، مما يقوض في الواقع الحد الأدنى المطلوب بموجب النظام نفسه.

لذلك يعتبر بعض الاقتصاديين أن هدف الجهات الحكومية الرقابية هو تفادي الفعل الإيجابي بدلاً من إنتاج شيء،ويزعمون بأن الجهات الرقابية لا تنال أي ثناء لو اخترع دواء جديد له فوائد صحية مهمة، لكن يثنى عليها حين تمنع دواء ضارًا.

ولذلك من الطبيعي أن تركز على السلبيات لأنها تمثل الهيكل الأساسي الذي تستند إليه، لكن الناتج من التركيز على الرقابة هو ازدياد الأنظمة المقيدة على كل شيء، وهذه ستؤدي إلى تقليص الإبداع، كما أن القيود المتزايدة تزيل حوافز الإبداع، وأن تطوير الجودة والإبداع لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض.

إن مثل هذا الطرح لا يعني موقفًا ضد الأنظمة الرقابية، ولكن يفترض أن تكون على حسب القطاعات التجارية ووفق المعايير والمقاييس، وأن تكون حامية لإبداع الناس لتجويد منتجاتهم، لأن الانضباط بالجبر أو بوضع حد أدنى،يعني أننا نتجاهل حقيقة أن التكنولوجيا والاختراعات الجديدة ستتعدى هذا "الحد الأدنى" بمراحل، كما أن المنتجين والمصنعين سيُركِّزون فقط على المحافظة على المستويات القديمة بدلاً من تبني تكنولوجيا "أجد" وأسلم وأفضل للإنتاج.