هل العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة فعلا..؟!!

17/02/2013 7
د . جمال شحات

عندما بدأنا فى دراسة الاقتصاد فى مادة النقود والبنوك بالجامعة وسمعنا بالعبارة الشهيرة ان العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة تبادر الى اذهاننا ان هناك خطأ ما وان  تلك المقولة قد قلبت وان العكس هو الصحيح  ولكن اكتشفنا ان هذه العبارة الاقتصادية المشهورة العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق، لقائلها السير توماس جريشام مستشار ملكة إنجلترا و التي عرفت فيما بعد بقانون جريشام (Greshams Law)

و تقوم فكرة هذا القانون علي اساس انه إذا تم اصدار نقود جديدة تشتمل على كمية من المعدن الخالص (الذهب مثلا) أقل مما تشتمل عليه النقود القديمة التي تتعادل معها في القيمة الأسمية. فإن النقود القديمة (الجيدة) تبدأ في الأختفاء من التداول في السوق، حيث تستخدم في هذه الحالة للاكتناز من قبل الافراد او ان تستخدمها الحكومة نفسها في اعادة صهرها و استخدامها كسبيكة ذهبية مثلا تباع بقيمة اعلي من قيمتها الاسمية. و بالتالي لن يتبقى في السوق سوى النقود الجديدة (الرديئة)، وقد حدثت مثل هذه الظواهر في القرون الوسطى عندما كان الحكام يصدرون النقود بأوزان مختلفة أقل من اوزانها القديمة كلما أضطربت الأحوال الاقتصادية في بلادهم.

 • كذلك ينطبق هذا القانون إذا وجدت في التداول نقود ورقية رخيصة إلى جانب النقود المعدنية فإن الأولى (الورقية) تطرد الثانية من التداول في السوق. وقد شاعت هذه الظاهرة خلال الحرب العالمية الأولى عندما كانت تختفي النقود الذهبية كلما طرحت أصدارات من الورق الرخيص. الخلاصة ان الردئ يطرد الجيد  وهى النظرية الثابتة والتى تتزايد اهميتها مع الايام  وتثبت صحتها فى مختلف الاحوال والظروف والبلدان ...!!

وعندما وعينا وادركنا وفهمنا تلك القاعدة فى اقتصادات النقود والبنوك اذ بنا نلاحظ ان هذه القاعدة سارية ايضا فى حياتنا العملية بل فى شتى مناحى الحياة فان وجود اشخاص غير اكفاء فى قيادة الشركات والمؤسسات كفيل بهروب او طرد او ترك الاكفاء بتلك الشركات والمؤسسات حيث لن يستقيم العمل ولن يعلى شأن الكفاءة والاداء بتلك الشركات ..!!

وفى مجتمعاتنا وبلادنا نلاحظ تزايد اعداد الغوغاء  يؤدى الى ترك الاشخاص الجيدين الى اماكنهم ومكانتهم لهؤلاء الغوغاء حيث يشعرون بالاحباط والاكتئاب ويتجهون الى ترك الساحة للغوغاء ...!!

بل تلعب الصحافة والفن دورا كبيرا فى اعلاء شأن تلك الحالات السلبية للمجتمع حيث تظهره فى صورة البطل وشخصية تنال اعجاب الشباب  ويرغب الكثيرون الى الاحتذاء به والتشبه به وهذا يؤدى بدوره الى ارتفاع اسهم العملة الرديئة مما يستتبع تضاؤل دور العملة الجيدة وما تمثله من افكار واشكال للحالات الايجابية  وبالتالى انسحابها من الميدان ..!!

هكذا علمتنا تلك القاعدة الاقتصادية ان العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة فى الاقتصاد  وعلمتنا ان النماذج الرديئة تطرد النماذج الجيدة فى الحياة  ورأينا ان الموظفين الضعفاء يطردون الموظفين الجيدين فى الشركات والمصانع  والمؤسسات ..!!

انها قاعدة سارية المفعول فى الا قتصاد والشركات بل والحياة بأسرها ..!!
رحم الله اساتذتنا فى الاقتصاد كانوا يعطوننا دروسا فى الاقتصاد والحياة معا..!!

ولذلك علينا ان نسعى جميعا القضاء على العملة الرديئة حتى لا تطرد عملتنا الجيدة من كل اقتصاداتنا وشركاتنا ومؤسساتنا بل من كل مناحى   حياتنا ..!!