مؤسسة النقد السعودي ... ليس لها مثيل في العالم

15/10/2012 39
د. أحمد المزروعي

تقوم مؤسسة النقد السعودي شهريا بالافصاح عن تفاصيل موجوداتها الخارجية والتي تعامل في باقي دول العالم بسرية اذا أخذنا بالاعتبار الدور المزدوج الذي تلعبه المؤسسة والذي يختلف عن باقي البنوك المركزية في العالم..

فمؤسسة النقد السعودي تقوم بدورين مختلفين كبنك مركزي و مدير للفوائض الحكومية أي انها تمثل في نفس الوقت الصندوق السيادي للحكومة السعودية..

قبل عام 2004 تقريبا ولعشرين سنة سبقتها لم تكن هناك فوائض بالميزانية الحكومية لذلك اقتصر عمل المؤسسة على الأعمال التي تقوم بها البنوك المركزية ولكن بعد ارتفاع أسعار النفط وبدء تحقيق فوائض خلال السنوات الـ 8 الماضية اضطلعت المؤسسة بدور جديد يعادل دور الصندوق السيادي وان كانت نوعية استثماراتها للفوائض لاتماثل الى حد كبير ماتقوم به الصناديق السيادية كونها تركز معظم استثماراتها بالسندات.

دأبت المؤسسة على نشر تفاصيل موجوداتها الخارجية منذ فترة طويلة وهو أمر طبيعي تقوم به كل البنوك المركزية ، لكن مالم ينتبه له القائمون على المؤسسة هو أنه وبعد زيادة الفوائض الحكومية المودعة لدى المؤسسة كان يجدر بهم التوقف عن الافصاح عن الموجودات الخارجية المرتبطة بفوائض المؤسسات الحكومية لأنه لم تجر العادة أن  تقوم الصناديق السيادية بالافصاح عن موجوداتها...

الآن تخيلوا أن هذه المؤسسة التي تفصح عن تفاصيل استثماراتها الخارجية ، التي من المفترض أن تبقى سرا ، تقوم في نفس الوقت بمنع البنوك المدرجة عن الافصاح بأي شكل من الأشكال عن معلومات أساسية وبديهية في جميع أسواق العالم وهو مايتعلق بالمخصصات وسبب زيادتها أو نقصانها في فترة معينة كما تفعل كل البنوك المدرجة في العالم..

من اعلانات البنوك لنتائجها للربع الثالث يتضح أن عدة بنوك قد ارتفعت مخصصاتها بشكل مفاجئ (الفرنسي – ساب – الراجحي – العربي – الرياض) وبدلا من أن تقوم المؤسسة بدورها الطبيعي بحث هذه البنوك للافصاح عن سبب الارتفاع بشكل عام ، تجبر البنوك على اتباع "كليشة" في اعلاناتها وذلك بعدم الحديث عن المخصصات واعتبارها جزءا من المصاريف التشغيلية ، لذا نرى في الاعلانات الجملة الشهيرة " سبب انخفاض الارباح هو زيادة المصاريف التشغيلية" أو "سبب زيادة الارباح هو انخفاض المصاريف الشغيلية".. ويقول مسئولون بهذه البنوك أن ذلك بتعليمات من المؤسسة !!!!

لقد كان صادما ما صرح به المحافظ السابق للمؤسسة الدكتور محمد الجاسر في عام 2009 من أنه لايتوجب على البنوك الافصاح عن تعرضاتها سواء للأزمة المالية العالمية أو تعثرات بعض الشركات العائلية واصفا الافصاح بأنه تسريب لمعلومات ائتمانية سرية !!!!!، ولم يطلب أحد بتاتا تفاصيل هذه التعاملات وما طلب هو فقط افصاح عن حجم التعرض بشكل عام كما فعلت جميع بنوك العالم آنذاك ....وتفاءلنا خيرا بالمحافظ الجديد لتغيير هذه السياسة  لكن يبدو أن سياسة ادارة مؤسسة النقد الجديدة هي "هذا ماوجدنا عليه آبائنا"..

هذا التناقض الصارخ بالافصاح عن تفاصيل الموجودات السيادية الخارجية في نفس الوقت الذي يتم فيه التعتيم على معلومات جوهرية تخص شركات مدرجة لايوجد له مثيل في العالم ويطرح اشكالات عديدة حول مهنية القائمين على المؤسسة...

ويمكن تشبيه الوضع بشخص يفصح عن أدق تفاصيل علاقته الزوجية التي لايجب ان يفصح عنها وفي نفس الوقت يتكتم على اصابة أحد ابنائه بالانفلونزا !!!!!