القليل في الكثير.. كثير

20/09/2012 18
عبدالله الجعيثن

عاماً بعد عام يزيد إعجابي بهذا العالم الفذ ابن خلدون وآرائه الصائبة في مقدمته المشهورة، والتي وضع بها (علم الاجتماع) وسماه (العمران) حيث تطرق في تلك المقامة العظيمة لمختلف أحوال العمران البشري أي (الحضارة) بكل نواحيها.. وقد استفاد منه الغربيون كثيراً ويدرسون مقدمته في جامعاتهم واستشهد الرئيس ريجان بكلان ابن خلدون وذكره باسمه وصفته العربية حين أراد تخفيض الضرائب وإقناع ا الكونجرس أن تخفيض الضرائب يؤدي - في المحصلة النهائية - إلى زيادة إيرادات الدولة من الضرائب لأن ابن خلدون يرى أن (المكوس = الضرائب) تقبض النفوس عن العمل والطموح فلا يعمل الإنسان إلا بمقدار ما يكفيه خشية المصادرة باسم الضرائب أو المكوس بينما تخفيضها يدفع إلى زيادة الانتاج والازدهار الاقتصادي وهنا (القليل في الكثير.. كثير) فالبائع الذي يكتفي بربح قليل يربح آخر الشهر ضعف البائع الجشع مع راحة البال والضمير!

وقد كتبت عن ذلك بشكل موسع عام ١٩٨٢م بعنوان (بين ابن خلدون والرئيس ريجان) ثم نشرته في كتابي (رؤية اجتماعية)..

* الشاهد في كلام هذا العالم الفذّ أن التجارة الرابحة على المدى، والتجار الذين يبقون في السوق وتنمو أرباحهم، هم الذين يقنعون بالربح اليسير لأنهم بهذا يبيعون أضعاف أضعاف الطماعين، ويكسبون السمعة الطيبة (ورأس مال التاجر سمعته) والربح لا يحسب جزافاً ولا يترك للهوى والطمع وإنما هو - في جوهر التجارة - قيمة السلعة زائداً تعب التاجر فيها، التعب الحقيقي والكدّ الجاد، مع ضبط المصاريف والاقتصاد في الأمور، أما ترك التجارة بأيدي العمال والمستأجرين وفرض سعر مرتفع فإنه يؤدي بالتاجر إلى الإفلاس في النهاية.. وإذا انتشرت ظاهرة المغالاة في الأسعار والاعتماد على الآخرين في إدارة الأموال ومباشرة البيع والشراء فإن في هذا خطراً على المجتمع كله وليس التاجر وحده، لأن الأموال يسرق منها الكثير بواسطة الأجزاء فتنزف من المجتمع نزيف الدم من الجسد.