كشف المستور .. و ما بين السطور

18/01/2010 1
محمد سليمان يوسف

تعيش أسواق المال الإماراتية منذ شهرين ونيف أكثر أيامها قلقا وضبابية حيث تراجعت مستويات الرؤية أمام المستثمرين لدرجة كبيرة ، ومما زاد الطين بلة ووضع المزيد من الضغط على كاهل هؤلاء المستثمرين هو مرور أكثر من نصف شهر على بداية موسم الإفصاح دون أن تعلن أي من الشركات المدرجة في الأسواق المحلية عن نتائجها أو توزيعاتها باستثناء شركة دبي للمرطبات، أما إعلان شركة دبي للإستثمار فليس بالإفصاح الرسمي وإنما هو بيان بتوقعات قابلة للتغير . ولعل أكثر ما يقلق المستثمرين هذه الأيام هو نتائج قطاعي البنوك والعقار فهذين القطاعين هما الأكثر تضررا بسبب الأزمة المالية العالمية .

تعودنا خلال السنوات الماضية أن تفصح البنوك قبل غيرها من الشركات المدرجة ،الآن ونحن في اليوم الثامن عشر من بدء موسم الإفصاح لم يتجرأ بنك واحد على الإفصاح !! .. وقد تمر ثلاثة أسابيع أخرى أو شهر أو أكثر بل وربما قد نجد بنوكا تنتهك المدة القانونية للإفصاح وتصر على عدم الإعلان عن نتائجها المالية إلى حين !! .. لماذا ؟.. لأن العديد من البنوك يواجه قضايا جوهرية كالحاجة للإفصاح عن مدى التعرض لديون دبي العالمية فحتى الآن لم نرى بنكا واحدا شجاعا يفتح لنا حساباته ويقول لنا هذا هو انكشافي على دبي العالمية بالإضافة إلى ذلك البنوك مطالبة بالإفصاح عن مشاكل القروض المقدمة منها للشركات والأفراد ومدى ملاءة هؤلاء المقترضين وقدرتهم على السداد ، إلى جانب ذلك هم مطالبون بالإفصاح عن مدى تعرضهم للرهون العقارية وكيفية تعاملهم مع الأصول المرهونة ضمانا لتلك القروض خاصة بعد انخفاض قيمة هذه الأصول بشكل كبير .مما قد يستدعي استمرار البنوك المحلية في سياسة تجنيب المخصصات التي ستزيد من الضغط على الأسواق المحلية خلال الفترة القادمة .

إن الخجل المهيمن على قطاع البنوك أصاب قطاع العقار أيضا فكما تعودنا سابقا أن تكون البنوك الأسرع في الإفصاح ، تعودنا أيضا أن تلعب الشركات العقارية دور المولد العنيف للحركة الصاعدة أو الهابطة للأسهم .. وفي ظل غياب واضح للمعلومات الدقيقة عن واقع هذا القطاع ، فإن الهدوء والضغط مستمر على الشركات العقارية المدرجة في الأسواق المحلية فحتى الآن ما زال سهم شركة أرابتك يتلقى الضربة تلوى الأخرى بعد صفقة آبار أرابتك، وما زال سهم إعمار يتلقى ضربات مماثلة ولكن بلا أسباب واضحة سوى الشائعات التي تدور حول قضية إعمار وجداول وموقف ديوان المظالم السعودي منها ، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الشائعات التي تطال باقي الأسهم العقارية ولعل هذا ما يقود المتداولين في الأسواق المحلية هذه الأيام إلى أخذ أقصى حدود الحيطة والحذر في مواجهة الوضع الراهن والقادم .

لا شك أن أسواق المال المحلية بحاجة إلى محفزات كي تخرج من مأزقها الحالي ، والمحفز الأقرب هو النتائج المالية والتوزيعات ، وطالما بقيت البنوك والشركات العقارية مترددة في الإعلان عن نتائجها الفصلية والسنوية فإن المأزق سيتأزم أكثر . إن خوف بعض البنوك من الإفصاح الكامل و كشف المستور هو خوف لا مبرر له و لا طائل منه لأن مصرف الإمارات المركزي بالمرصاد لجميع البنوك وهو قادر على كشف المستور وما بين السطور لكنه ما زال يعطي البنوك وقتا يناسب وحساسية وضعها الراهن ، أما إذا نفذ صبر ه فعندها ستكون البنوك ملزمة بالإفصاح عما تخبئه في "مغارة علي بابا" شاءت أم أبت وبغض النظر عما إذا كان "المدفون في المغارة" فساد مالي وإداري أم سوء إدارة أم سوء تقدير أم سوء قرار أم سوء استخدام للصلاحيات فجميع الدروب قد تؤدي إلى باب الإقالة أو الإستقالة أو الإعفاء بل وربما قد تؤدي إلى باب السجن .

لا أحد يطلب من البنوك والشركات القفز على واقعها وتجميل ميزانياتها ونتائجها فالعالم كله في أزمة وهذه الأزمة فرصة لغسل الأخطاء والعثرات والبدء من جديد والمستثمر في الأسواق المحلية أصبح ذكيا بما يكفي للحكم على صالح الأمور وطالحها وما على البنوك والشركات في هذه المرحلة سوى رمي النتائج بما لها وما عليها أمام المتداولين في الأسواق المحلية رمية واحدة في وقت واحد وبالسرعة القصوى وبعدها ليأخذ السوق مجراه ولينقشع الضباب وتتضح الصورة وليأخذ المتداولون أماكنهم في صفوف البائعين أو المشترين فالهدف النهائي من السوق هو البيع والشراء وليس الثبات عند قمة أو قاع .