رسالة لعموم المستثمرين: احذروا الفوركس!

13/12/2009 2
محمد القويز

انتشرت في الآونة الأخيرة الكثير من الإعلانات على الإنترنت عن التداول في العملات (أو ما يعرف بالـ''فوركس'') تقول لنا ''تعلّم تداول العملات في بضع خطوات بسيطة لتمضي في طريقك إلى الثروة.'' كما زاد الاهتمام في الفترة الأخيرة بهذا النوع من الاستثمارات كمعادلة سهلة لتحقيق الربح السريع. فما مدى جدوى التداول في العملات؟

يختلف الكثير من الناس في مدى كون العملات تُشَكل فئة استثمارية بذاتها. فالبعض يرون أن الشخص يمكنه أن يشتري عملة اليورو اليوم، فإذا ارتفع اليورو مقابل الريال أمكنه إعادة بيع اليورو مقابل عدد أكبر من الريالات وبالتالي تحقيق الربح. بناء على هذا ألا يجب أن نعتبر العملات فئة استثمارية؟ الحقيقة أن العملات ليست فئة استثمارية في مفهومها الفعلي لأنها ليست أصلاً استثمارياً في ذاتها بل هي أداة لتقييم الأصول الاستثمارية الأخرى.أما بالنسبة لجدوى التداول في العملات، فإني وبصفة عامة أحذر معظم المستثمرين من المضاربة والتداول فيها للأسباب التالية:

- العملات (نظراً لأنها مقيّمة مقابل بعضها لبعض) لا يمكن أن يكون لها تيار عام على المدى الطويل، فربح عملة معينة ما هو إلا خسارة لعملة أخرى، أي أن المحصّلة دائماً صفر. أما الفئات الاستثمارية الأخرى (كالأسهم والعقارات على سبيل المثال) فلها تيار عام على المدى الطويل، وهو تيار صاعد، وبالتالي فإن المحصلة في معظم الفئات الاستثمارية الأخرى ليست صفراً. فإذا عرضنا رسماً بيانياً لسعر أي فئة استثمارية على المدى الطويل (أي ما يزيد على عشر سنوات) سنجد أن التيار العام للرسم البياني في معظم الأحوال هو الصعود. ولكننا إذا عرضنا رسماً مماثلاً لعملة مقابل أخرى فإننا لن نجد تياراً عاماً على المدى الطويل في أغلب الأحوال.

- بالإضافة إلى ما سبق، فإن الحركات السعرية لعديد من العملات على المدى القصير قد تكون سريعة وكبيرة، مما يعني أنها قد تحقق عوائد كبيرة في حال النجاح، ولكنها كذلك قد تحقق خسائر ضخمة في حال الخسارة وفي فترة قصيرة. هذا يجعلها شديدة الخطر.

- مما يزيد من وطأة النقطة السابقة هو أن العديد من شركات تداول العملات تمنح عملاءها تسهيلات ضخمة للتداول فتمكنهم التداول بعشرة أضعاف إلى عشرين ضعف المبالغ التي يودعونها (أي أن من يفتح حسابا بمبلغ 100,000 ريال بإمكانه التداول بما بين مليون ومليوني ريال). بالطبع، هذا يعني أن أي مركز رابح يمكن تحقيق أرباح مضاعفة، ولكنه كذلك يعني أن المخاطر والخسائر تتضاعف بشكل مخيف مما يجعل فقدان كامل المبلغ المستثمر أمراً سهلاً. فعلى سبيل المثال، لو أودعت مبلغ 100 ألف ريال وبموجبه قمت بالتداول بمبلغ مليوني ريال (أي عشرين ضعفا)، فإن انخفاضاً بمعدل 5 في المائة في قيمة مركزك الاستثماري سيؤدى لخسارة كامل رأسمالك. وكما ذكرنا في النقطة السابقة فإنه لدى النظر لحركة أسواق العملات فإننا نجد فترات عديدة تحركت فيها الأسعار بنسبة 5 في المائة في فترة قصيرة (قد تكون أسبوعاً أو يوماً أو أقل) مما كان سيعرض أي استثمارات لخسارة كامل رأسمالها.

- وأخيراً، عالم تداول العملات (على عكس تداول الأسهم أو حتى العقارات) لا يتسم بالشفافية الكاملة. فكل أمر في سوق الأسهم يتم إرساله لسوق مركزية واحدة مما يمكن كل مستثمر ومتداول من التحقق من سعر التنفيذ في السوق ومقارنته بسعر التنفيذ الفعلي المقدم من الوسيط ومن ثم مساءلته في حال عدم التطابق بينهما. أما في حالة سوق العملات فلا توجد سوق مركزية واحدة يتم تداول جميع العملات فيه، مما يعني أن سعر التنفيذ الفعلي قد يختلف عن السعر الذي يظهر أمام شاشات المتداول. هذا الاختلاف (الذي قد يكون كبيراً في بعض الأحيان، والذي يصعب على المتداول مراقبته) يتيح مجالاً واسعاً لوسيط الفوركس في التلاعب بالأسعار واستغلال المتداول. بل إن عديدا من المتداولين النشطين لا يجدون بدّاً من التعامل مع عدة جهات وإرسال طلبات البيع والشراء لها في وقت واحد في محاولة للبحث عن السعر الأفضل.

من العرض السابق تظهر المخاطر الكبيرة من التداول في العملات. بالطبع الكثير منا قد يكون قد سمع عن (فُلان) من الناس تداول في العملات وحقق أرباحاً كبيرة في زمن قياسي، ولكن الحقيقة المؤسفة أن الغالبية العظمى من المتداولين في الفوركس يخسرون (وبعض منهم يخسرون مبالغ طائلة) أملاً في ذلك الربح السريع. بل إني أثناء عملي في مقتبل حياتي كوسيط للعملات كنت أجد أن ما يزيد على 85 في المائة من العملاء خاسرون (والكثير منهم خاسرون ما يزيد على 50 في المائة من رأسمالهم) بينما أقل من 15 في المائة هم الرابحون. ولعل التداول في الفوركس يقترب إلى المقامرة في كثير من الأحيان، حيث ينجذب الناس إليها بقصص من الثراء السريع غير عالمين (أو غير آبهين) بالأرقام التي تشير إلى ضآلة احتمال تحقيق ذلك وأن الاحتمال الأغلب هو تحقيق الخسارة. وبالرغم من أني لا أوصي بتداول العملات بصفة عامة، ولكني سأسوق التوصيات التالية للراغبين في التداول فيها:

- يجب أن تكون متابعاً للأسواق العالمية عن كثب وقارئاً متمعناً لها ودارساً ملماً بها، فلا مجال للتداول من هذا النوع لمن يفتقدون المعلومات الاستثمارية والاقتصادية الكافية.

- تداول فقط برأسمالك ولا تستخدم التسهيلات الضخمة المتاحة للتداول، فهي مدعاة لإبادة استثماراتك في فترة زمنية قياسية. وإن كنت مصرّاً على استخدام التسهيلات، فاحرص على الأقل أن تكون ضمن نطاق المعقول.

- إذا كنت ستتداول بتسهيلات، يجب أن يرافق كل مركز جديد تأخذه أمر لإيقاف الخسارة بعد بلوغ سعر معين، فإذا اشتريت عملة ما متوقعاً صعودها فعليك بالمقابل أن تضع أمراً لبيعها إذا ما انخفضت بعد سعر معين وذلك بهدف إيقاف وتحديد خسارتك بحد معين. فبدون أمر إيقاف الخسارة يمكن لهذا المركز أن يستمر في الانخفاض بوتيرة سريعة حتى تخسر رأسمالك بالكامل.

- وإذا لم يكن بإمكانك العمل بالتوصيات الواردة بعاليه، فإني أعيد عليك نصيحتي الأساسية وهي: لا تضارب في سوق العملات!