الذهب والدولار واللعب على المكشوف

11/11/2009 0
محمد العنقري

تجاوز الذهب مستوى 1100 دولار للأونصة للمرة الأولى بتاريخه، في وقت يشهد الدولار مزيداً من الضعف كدلالة على التوجه نحو استيعاب التضخم من خلال رفع حصة الذهب بسلة الاحتياطات التي تبنيها البنوك المركزية حول العالم وكذلك صناديق التحوط والمستثمرين عموماً، الذين يسعون للحفاظ على ثرواتهم.

وفي الوقت نفسه نجد التزاماً دولياً من مجموعة العشرين باستمرار المحافظة على خطط التحفيظ التي أقرت في أبريل الماضي بلندن حتى يتم التأكد من تعافي الاقتصاد العالمي وبلمحة بسيطة حول اعتبار الذهب على مر التاريخ حافظاً للقيمة نجد أن سعره كان في عام 1900 قرابة 21 دولاراً، وهي ما اعتبرت قبل عشر سنوات تقريباً تعادل 534 دولاراً مما يظهر أن القوة الشرائية للعملات تنخفض باستمرار وميزان الحكم والتكافؤ معها يأتي من أسعار الذهب.

لكن ما يحدث الآن من ارتفاع فيه هو نذير بعدم التفاؤل بمقاييس الاقتصاد وتاريخها مع الذهب العاشق للأحداث السيئة، فالوهن بالاقتصاد العالمي الذي خلقته الأزمة ساهم بإضعاف قوة الدولار والتي لا يبدو أن استعادة قوتها سيكون سريعاً، فالعوامل التي تحكم هذه العودة كثيرة لا يتوفر منها شيء الآن سواء في داخل الاقتصاد الأمريكي أو خارجه، فالبطالة مرتفعة وتخطت 10 بالمائة بأمريكا ومعروف أن الاقتصاد لديهم يعتمد بنسبة 70% على إنفاق الفرد، ومع حزم التحفيظ فإن العجز بالميزانية ارتفع بشكل كبير كما يتوقع أن ينخفض الناتج الأمريكي بنسب قد تصل إلى 10 بالمائة مما يعني تراجعاً بما لا يقل عن 1400 مليار أمريكي، ومع الصراع الذي تخوضه الحكومة الأمريكية لفتح فرص وظيفية فإنها ستواجه عقبات عدة ليس أقلها العجز بالميزانية ليصل إلى حجم الاستثمار المتدفق لديهم ومنافسة الاقتصاديات الناشئة والتي تحمل معها قوة تدفعها لتحقيق معدلات نمو ستسبق فيها قوة الاقتصاد الأمريكي خلال عقدين من الآن وعلى رأسها الصين مروراً بإصلاحات يتطلبها النظام المالي وتصحيح أوضاع الشركات بمختلف القطاعات كالسيارات التي تضيف للناتج الوطني قرابة 500 مليار دولار سنوياً بخلاف الدين العام الحكومي الذي تخطى 11 تريليون دولار مما يعني أن الصعوبات كبيرة أمام الدولار للنهوض من جديد.

لكن لارتفاع الذهب وضعف الدولار علاقة بالمستقبل لا يمكن تجاهلها فأمريكا تملك أكبر احتياطي من الذهب عالمياً بما يصل إلى 8500 طن وهذه ثروة ترتفع قيمتها وسيتم التخلص من جزء منها في حال الاستمرار بارتفاع أسعاره، ومن جهة أخرى فإن ضعف الدولار سيلغي هوامش المنافسة للبضائع الأمريكية التي تواجهها من شرق آسيا تحديداً وسيعدل من ميزانها التجاري بخلاف حزم أخرى كتخفيف الدعم على الوقود الأحفوري الذي اقترحته أمريكا نفسها.

وبالتالي فإن ضعف قيمة الموجودات العالمية لدى المنافسين وارتفاع الذهب ما يحمل معه من عوامل خطرة مستقبلاً سيحل مشكلة الدولار عندما تعيده أمريكا لأحضانها من جديد عبر كل هذه المتغيرات التي قد تحدث بالأسعار عالمياً والتي يبدو اتجاهها صعودياً مع ضعف للدولار يبدو قسرياً من جهة، ولكنه مطلوب لانتشال اقتصاد أمريكا وعملتها من جهة ثانية.

إن قراءة ما ترسمه الولايات المتحدة لاقتصادها خلال العقدين القادمين يظهر تعقيداً كبيراً للمعادلة القادمة ولكن تحقيقه مرهون بأسلوب ردة الفعل عالمياً ودقة التنفيذ أيضاً وبقدر ما هو محفوف بالمخاطر لكن يبقى في رأس صناع السياسة الاقتصادية لديهم هدف واضح وهو البقاء على رأس الهرم عالمياً عبر إضعاف المنافسين وتثبيت بقاء الدولار عملة الاحتياط الرئيسية دائماً فمن سيصل لهدفه أولاً.