ادارة المخاطر.... من أهم الدروس المستفادة فى الذكرى السنوية الاولى للأزمة المالية العالمية !!!

26/09/2009 0
د . جمال شحات

اشرنا فى مقالنا السابق ( يامراجعى العالم اتحدوا !!! ) عن اجتماع المائدة المستديرة لكل من معهد المراجعين الداخليين IIA مع مديرى المراجعة الداخلية  لعدد من اكبر مائة شركة واوضحنا تعاظم دور المراجعة الداخلية وان معظم المشاركين ركزوا على اهمية ادارة المخاطر بشركاتهم وكان من اهم الامور التى تم مناقشتها فى هذا الاجتماع واوضحوا ان من الدروس المستفادة  يتمثل فى ادارة المخاطر بصورة افضل مما كانت عليه فى الماضى .

 وقد ظهرت علامات مشجعة على بداية التغيير، فقد اتُّخذت خطوات لإصلاح هيكل أجور المصرفيين من أجل تحويل تركيزهم إلى المدى الطويل، والحد من خطر انجرارهم لتحقيق أرباح سريعة عبر برامج قصيرة المدى يمكن أن تنهار لاحقاً . كما يهدف تحرك الهيئات التنظيمية لتشديد الأحكام والقوانين إلى الحد من خطر ضياع مدخرات المستثمرين عبر استثمارات لا تمتاز بالكفاءة ويغلب عليها طابع التسرع أو الغش او سرعة تحقيق ارباح .

خطر آخر يحتاج إلى إدارة أكثر فعالية هو طريقة تداول المشتقات ومقاصتها . والمقاصة عبارة عن مصطلح يستخدم في مجال الخدمات المالية للإشارة إلى العمليات التي تتم بعد الاتفاق على التداول لضمان أن يحصل المشتري على ما وافق على شرائه، والبائع على أمواله .

وتبدو هذه العملية دقيقة وفنية للغاية وهي فعلاً كذلك . ولكن سوق المشتقات واسعة للغاية حيث إن الطريقة التي تدار بها تؤثر في كل فرد حول العالم.

وتتنوع التقديرات حول حجم المشتقات، حيث تشير رويترز إلى أن إجمالي قيمة المشتقات يصل إلى 450 تريليون دولار، في حين تقدر بلومبرغ هذه القيمة بأكثر من 650 تريليون دولار . وحتى الرقم الأقل هنا تتجاوز قيمته ثمانية أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للعالم برمته (نحو 55 تريليون دولار) . ومن هنا، فإن مثل هذا السوق ينبغي مراقبته بدقة ووضع التشريعات الصحيحة لإدارته منعا لحدوث هذه المخاطر مرة اخرى  .

إن الجهود التي بذلت في هذا الإطار لا تزال متفاوتة، ويتم تداول معظم المشتقات عبر الكاونتر، أي بشكل مباشر بين البنوك والمؤسسات المالية، بدلاً من تداولها غبر منصة مركزية وشفافة كالبورصة على سبيل المثال .  

وهكذا تتم مقاصة الكثير من المشتقات من خلال الأطراف المشاركة في العقد أنفسهم، وليس عبر قاعة مقاصة متخصصة تعتمد معايير وممارسات قياسية .

وقد تم تداول معظم عقود المشتقات التي لعبت دوراً كبيراً في ظهور الأزمة الاقتصادية التي نعاني منها اليوم عبر الكاونتر ودون أن تتم مقاصتها بشكل دقيق . ويعد هذا الأمر أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل من تيموثي جيتنر وزير الخزانة الأمريكي حريصاً على توسيع التداول في البورصة وعمليات المقاصة المركزية . وهو يحظى بدعم كبير في أوروبا وباقي أنحاء العالم وفي الولايات المتحدة أيضاً . وأعتقد أن مثل هذا التحرك سيكون مفيداً بالتأكيد .

وما من شك في أن توسيع تداول المشتقات في البورصة سيعزز مستويات الشفافية لأن الأسعار وحجم التداول يمكن تسجيلها والإعلان عنها للجمهور . كما أن المقاصة المركزية ستعزز الثقة بأن كافة التعاملات تتم وفق المعايير الصحيحة حيث يمكن لقاعة المقاصة أن تمثل طرفاً في كل عملية تداول، وهذا يعني أنها وسيط يضمن وفاء الشاري والبائع بالتزاماتهما، حتى ولو تأخر أحدهما عن ذلك . كما يمكن فرض المتطلبات الخاصة بهوامش الربحية والتي تحد من إمكانات إنجاز تعاملات غير دقيقة ومتهورة .

وفي ظل مثل هذا النظام، تتراجع إمكانية انهيار بنك عملاق مثل ليمان براذرز الذي أعلن إفلاسه في شهر سبتمبرمن العام الماضى  وسط مخاوف حول كيفية حساب قيمة العقود المتداولة عبر الكاونتر .

ومن المعروف أن المشتقات لها أشكال وأحجام متعددة . فمن حيث الحجم، أكبر هذه القطاعات هو سعر الفائدة ومشتقات العملات الأجنبية، في حين أن أسواق سندات تبادل الدين والسلع ومشتقات الأسهم أصغر حجماً، على الرغم من أنها تقدر بتريليونات الدولارات . بعض المشتقات تناسب عمليات التداول في البورصة والمقاصة المركزية أكثر من غيرها، فعلى سبيل المثال من الصعب التعامل مع المشتقات غير القياسية من خلال هذه الطريقة، وقد تكون المحاولة غير مجدية . كما يجب التعامل مع أية مخاطر قد تنجم عن تأخر أحد الأطراف الرئيسية في الوفاء بالتزاماته .

وعلى الرغم مما تحقق حتى اليوم، فهناك مجالات واسعة لمزيد من العمل في اتجاه  تعزيز عمليات الرصد والمراقبة والتحكم وبالتالى ادارة المخاطر . وأعتقد أن هناك توجهاً في منطقة الشرق الأوسط نحو دمج أسواق المشتقات الفتية في المنطقة في إطار البورصات . حيث تعتزم دبي القيام بدور ريادي في هذا المجال وقد اتخذت بالفعل الخطوة الأولى ولكن هل تستمرفى هذا الاتجاه .

ويفيد هذا النموذج المستثمرين والاقتصاد على حد سواء، وذلك من خلال الحد من مخاطر التأخير في دفع المستحقات التي يمكن أن تهدد استقرار النظام المالي .

و تزامنا مع الذكرى الأولى لانهيار بنك "ليمان براذرز" الأمريكي خلصت دراسة بريطانية حديثة إلى أن الدروس المستخلصة من انهيار البنك والأزمة المالية التي أعقبته، لم يتم استيعابها بشكل ملائم حتى الان .

ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية BBC عن الدراسة التي أعدّها معهد أبحاث السياسة العامة البريطاني IBBR ان العودة السريعة لثقافة المكافآت والعلاوات في قطاع المال والأعمال والبورصة تظهر أن الإصلاحات الحقيقية في هذه القطاعات كانت "محدودة جداً".

ويأتي هذا التحذير منسجماً مع التحذير الذي أطلقه الرئيس الأميركي باراك أوباما في كلمته الاخيرة في وول ستريت، التي حذر فيها من العودة إلى الممارسات القديمة في قطاع البنوك والمال، والتي أسهمت بصورة  مباشرة في الأزمة المالية العالمية.

ودعا تقرير المعهد إلى اتخاذ إجراءات عاجلة في هذا الصدد، و إلا فإن أزمة المصارف ستبقى ولن يخرج الاقتصاد من كبوته الحالية

وقال توبي دولفين الخبير الاقتصادي في المعهد أن "أجراس الإنذار يجب أن تقرع بمجرد ظهور ملامح تشير للعودة الى الممارسات القديمة"، لافتا إلى أن لا مؤشرات على أن صناع السياسة يتخذون إجراءات من شأنها ضمان جعل الانتعاش الاقتصادي المقبل أفضل من الانتعاش السابق.

وأخيراً يجب أن تعمل البورصات والهيئات التنظيمية والتشريعية والمستثمرين والمصرفيين معاً للحد من مخاطر المشتقات . وقد جاءت أولى التغييرات الكبرى في هذا الإطار من الولايات المتحدة وأوروبا، وعلينا في الشرق الأوسط والعالم العربي بل ومنطقة الخليج بصفة خاصة أن نراقب هذه التحركات عن كثب . ولعل أهم الدروس المستفادة من المشكلات المالية التي عصفت بالعالم العام الماضي هو أن قطاع تداول المشتقات عبر الكاونتر يتطلب إصلاحات جذرية.

 ولابد ان يتم الاهتمام الكبير بدارسة المخاطر التى تكتنف الاقتصاد الوهمى وان الاقتصاد الحقيقى مخاطره اقل بكثير من المخاطر المصاحبة لصور الاقتصاد الحالى كالمشتقات وغيرها من الصور ولعلها قد تكون  (إدارة المخاطر ) هى الدرس الاول المستفاد من الازمة المالية العالمية….. فهل نستوعب الدرس الاول جيدا تفاديا لتكرار الازمة ؟

هذا ما ستجيب الأيام القادمة عليه !!!!